العائد من وراء الشمس



ﺗﺮﺍﻗﺼﺖ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻨﻲ ﺷﺎﺑﺎً ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺗﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭ ، ﺃﻣﺎ ﻋﻤﻠﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺣﺴﺎﺱ ، ﻓﻤﺮﻛﺰﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻐﺎﺯﻱ ﻭﻭﺭﺍﺋﻲ ﺗﻘﺒﻊ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ . ﻣﺮﺕ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺛﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ، ﻓﻘﺪ ﻣﺎﺕ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺠﺮﻡ ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﺃﻭﺯﺍﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻱ ، ﻟﻴﺼﻨﻌﻮﺍ ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻱ ﻓﺰﺍﻋﺔ ﻟﻴﺨﻴﻔﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺘﻤﺮﺩ ﻭﻟﺘﻀﺮﺏ ﺑﻲ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ
ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻱ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻛﻞ ﺃﺳﺒﻮﻉ ، ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺃﺑﻘﻰ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ ﺍﻟﺸﺎﺋﻜﺔ ﻷﺭﻯ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺗﺨﺬﺗﻬﺎ ﺧﻠﻴﻼً ﻟﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﺷﻜﻮ ﻟﻬﺎ ﺃﻟﻤﻲ ﻭﺃﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺃﻣﻲ ﻭﺃﺑﻲ ، ﻫﻞ ﺭﺃﺕ ﻭﺟﻬﻬﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺩ ﻋﻠﻲ ﺑﻜﻞ ﺃﻧﺎﻗﺔ ﻭ ﻟﺒﺎﻗﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮﺩ ﺑﻲ ﺍﻟﺠﻼﺩ ﻭﻳﺮﻣﻴﻨﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ، ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻓﺴﺤﺘﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ ، ﻭﻣﺮﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ ، ﻭﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻀﺨﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺮﺱ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﺳﺄﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻘﻌﺔ ﺍﻟﺘﻌﻴﺴﺔ .. ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎﺩﺗﻲ ﻋﻈﻴﻤﺔ ، ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺳﺄﻋﺎﻧﻖ ﺃﻣﻲ ﻭﺳﺄﺑﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻱ ﺃﺑﻲ
ﺃﺗﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻤﻮﻋﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺄﻏﺎﺩﺭ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ، ﻟﻜﻦ ﺃﻣﻠﻲ ﺧﺎﺏ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻭﺿﻌﻮﺍ ﺍﻷﺻﻔﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﻭﻋﺼﺒﻮﺍ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﺃﺧﺮﺟﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ .
- ﺃﻳﻦ ﺃﻥ ﺃﻧﺘﻢ ﺫﺍﻫﺒﻮﻥ ﺑﻲ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ؟ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﺠﻴﺐ ﻓﻘﺪ ﺃﺭﻛﺒﻮﻧﻲ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻭﺍﻧﻄﻠﻘﻮﺍ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺍﻓﺘﺮﺿﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻲ ، ﻭﺗﺼﺎﺭﻋﺖ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻄﻼﻕ ، ﺃﺧﺮﺟﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻌﺼﺐ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻭﻣﻐﻠﻮﻝ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ، ﺻﻌﺪﻭﺍ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻬﺎ ، ﺛﻢ ﺣﻠﻘﻮﺍ ﺑﻲ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮ ، ﻭﺃﻧﺎ ﺍﺗﺴﺎﺀﻝ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ :
- ﺃﻳﻦ ﺗﺬﻫﺒﻮﻥ ﺑﻲ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ؟ ﻭﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﺠﻴﺐ ، ﺣﺘﻰ ﻗﺮﺭ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻛﺴﺮ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﻭﻫﻤﺲ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ :
- ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺖ ﺫﺍﻫﺐ ؟
- ﺑﺘﺄﻛﻴﺪ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ .
ﻭﻫﻨﺎ ﻋﺎﺩ ﻟﻴﻬﻤﺲ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ :
- ﺍﻧﺘﻈﺮ ﻗﻠﻴﻼً ﺣﺘﻰ ﻧﻠﻘﻴﻚ ﻓﻲ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﺒﺤﺮ

ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺳﺨﺮﻳﺔ .. ﺻﺪﻣﻨﻲ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻬﻤﺴﻪ ، ﻭﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﺍﻷﺣﺎﺳﻴﺲ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻳﻤﺘﻠﻜﻨﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻻ ﺃﺣﺮﻙ ﺳﺎﻛﻨﺎً ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻧﻔﺎﺳﻲ ﺛﻘﻴﻠﺔ ، ﻛﺎﻥ ﻛﺘﺎﺏ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺗﻤﺮ ﺻﻔﺤﺎﺗﻪ ﺃﻣﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﺍﻟﻤﻌﺼﻮﺑﺔ ، ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺒﺮﻱﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺐ ﻗﺮﺏ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻭﺃﺭﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﻼﻡ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﻫﺪﻓﺎً ﻟﻪ ، ﻭﺃﺭ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺃﻣﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻛﺎﻟﻔﺠﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﻔﺲ ، ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻭﺫﺍﻙ ﺃﻧﻬﺎﺭ ﻓﺠﺄﺓ ﻛﺄﺑﺮﺍﺝ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ ، ﻓﺄﻧﺎ ﺍﻷﻥ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﻣﺘﻰ ﺳﻴﻠﻘﻰ ﺑﺠﺴﺪﻱ ﺍﻟﻨﺤﻴﻞ ﻟﻴﺨﺘﺮﻕ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﺟﺴﺪﻱ ﻭﺟﺒﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﻸﺳﻤﺎﻙ ، ﻭﻣﺮ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺛﻘﻴﻼً ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﻭﺃﻧﺘﻈﺮ ﻭﺃﻋﻮﺩ ﻷﻧﺘﻈﺮ ﻭﺃﺗﺴﺄﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺣﺘﻰ ﺃﻃﻠﻘﺖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻥ ﻟﻤﺸﺎﻋﺮﻱ ﺍﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ ﻭﺻﺮﺧﺖ ﺑﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺣﻨﺠﺮﺗﻲ : ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻷﻭﻏﺎﺩ ، ﺃﻟﻘﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ .
ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻮﺍﺻﻠﻮﻥ ﺗﺤﻄﻴﻤﻲ ﺑﻀﺤﻜﺎﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺍﻟﻤﺮﻭﺣﻴﺔ ﻓﺠﺄﺓ ، ﻓﻘﺪ ﻋﺎﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ، ﻭﻫﻨﺎ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺠﻮ ﻭﻋﺮﻓﺖ ﺃﻧﻨﻲ ﺭﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﺮﺍﺀ ، ﻭﺃﻧﺰﻟﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﻗﺎﺩﻭﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﺘﻬﻢ ﻭﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺗﺘﺼﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻲ ، ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﻘﻮﺩﻭﻧﻨﻲ ، ﻣﺎﺫﺍ ﺳﻴﻔﻌﻠﻮﻥ ﺑﻪ ؟ ﻫﻞ ﺳﻴﻘﺘﻠﻮﻧﻨﻲ ؟ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻴﺮ ﻣﺘﻌﺜﺮﺍً ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻭﺍﻷﺻﻔﺎﺩ ﻓﻲ ﻳﺪﻱ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﺎﺑﺎً ﺛﻘﻴﻼً ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺒﻂﺀ ، ﻭﻫﻨﺎ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺑﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻘﺪ ﺩﺧﻠﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﻘﻒ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺎ ، ﻭ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺑﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﻮﺍ ﻓﺠﺄﺓ ، ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻓﻜﻮﺍ ﺃﺳﺮﻱ ﻭﺃﺯﻟﻮﺍ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻲ ﻭﻭﺟﺪﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺩﻫﻠﻴﺰ ﻃﻮﻳﻞ ﻧﺼﻔﻪ ﻣﻈﻠﻢ ، ﻭﻫﻨﺎ ﺳﻠﻤﻮﻧﻲ ﻟﺮﺟﻞ ﺃﺧﺮ ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﺍﻫﻢ :
- ﻫﺎ ﻫﻮ ، ﻟﻘﺪ ﺃﺗﻴﻨﺎﻙ ﺑﻪ .
ﺭﺩ ﺍﻟﻤﺴﺘﻠﻢ :
-ﺣﺴﻨﺎ ﻟﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﻬﻤﺘﻜﻢ ﻓﻠﺘﺮﺣﻠﻮﺍ ﺍﻷﻥ

ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻛﺄﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮ .. ﺃﺧﺪﻧﻲ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻷﺧﺮ ﻭﺳﺎﺭ ﺑﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻫﻠﻴﺰ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ ﺳﺄﻟﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ :
 - أﺭﺟﻮﻙ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺎ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺳﺘﻔﻌﻠﻮﻥ ﺑﻲ ؟
ﺃﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﺼﻮﺕ ﻛﻠﻪ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭ :
- ﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ، ﺃﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻬﻮ ﺗﺤﺖ ﺍﻻﺭﺽ ، ﻻ ﺗﺨﻒ ﻓﺄﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻫﻨﺎ ، ﻓﻘﺮﻳﺒﺎً ﺳﺘﺨﺮﺝ ﻟﻜﻦ ﻟﻦ ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻨﻬﺎﻳﺔ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻔﺮﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺩﺍﺧﻞ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ .

ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻣﻞ ﺍﻟﺨﺎﻓﺖ ﻓﻘﺪ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻦ ﺃﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺇﻻ ﺟﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪﺓ ﻭﺳﻮﻑ ﻳﻠﻘﻮﻥ ﺑﺠﺴﺪﻱ ﺃﻭ ﺭﺑﻤﺎ ﻋﻈﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻔﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻫﺎ ،.. فﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺟﻤﻊ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭﺓ ، ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﺠﺄﺓ ﻭﺑﺪﺃ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏ آﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﺻﻐﻴﺮ ﺍﻟﺤﺠﻢ ، ﻭﺑﻌﺪ ﻓﺘﺤﻪ ﺩﻓﻊ ﺑﺠﺴﺪﻱ ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺓ ﻭﺃﻏﻠﻖ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻣﻈﻠﻢ ﻭﺣﺎﻭﻟﺖ ﺃﻥ ﺍﺟﻤﻊ ﻋﻈﺎﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺍﻣﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺘﻘﺪ ﺃﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺭﺃﺳﻲ ﻳﺼﻄﺪﻡ ﺑﺎﻟﺠﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺧﻄﻮﺍﺗﺎﻥ ﺃﻭ ﺛﻼﺙ ، ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻓﻲ ﻇﻼﻡ ﺩﺍﻣﺲ ﻻ ﻳﻜﺴﺮﻩ ﺳﻮﻯ ﻧﻮﺭ ﺧﺎﻓﺖ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺛﻘﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻘﻒ ، ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻠﺤﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﻠﻴﺖ ﺿﻴﻔﺎً ﻋﻠﻴﻬﻢ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﺗﻀﻢ ﺍﻟﺒﻖ ﻭﺍﻟﺨﻨﻔﺴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺭﺏ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻧﺰﺍﻧﺔ ﺳﺮﻳﺮ ﺻﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻤﻨﺖ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻏﻄﺎﺀﻳﻦ ﻣﻬﺘﺮﺋﻴﻦ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺻﻼﺣﻴﺘﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﺃﺯﻝ ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﺛﻘﺐ ﻣﺮﺣﺎﺽ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺰﻭﺍﻳﺎ

ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻲ ﺟﻠﺴﺖ ﺃﺫﺭﻑ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﻭﺃﺗﺴﺄﻝ ﺃﻳﻦ ﺃﺣﻼﻡ ﺷﺒﺎﺑﻲ ، ﺃﻳﻦ ﻋﻤﺮﻱ ﻭ ﺃﻳﻦ ﺍﻧﺖ ﻳﺎ ﺃﻣﺎﻩ ؟ ﻫﻞ ﺗﺪﺭﻳﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﺣﻞ ﺑﻘﺮﺓ ﻋﻴﻨﻚ ؟ ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﺃﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﺄﻱ ﺣﻖ ﻭﺑﺄﻱ ﺫﻧﺐ ؟ ﻭﺃﻱ ﻗﺪﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﺩﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ؟ ﻛﻨﺖ ﺃﻃﺮﺡ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺠﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻨﺖ ﻋﻠﻲ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﻦ ﻋﻠﻲ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺟﻠﺪﺗﻲ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺤﺎﻟﻲ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ .. ﻫﻨﺎ ﺳﺄﻗﻀﻲ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺘﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘﺎﺭﻫﺎ ﻟﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻘﺎﻉ ، ﻣﺎﺫﺍ ﺃﻧﺎ ﻓﺎﻋﻞ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻷﻣﺮ ﺍﻟﺠﻼﺩ ، ﻭ ﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻡ ﻣﺘﻤﻨﻴﺎً ﺃﻥ ﻻ ﺃﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻟﻜﻦ ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻓﻤﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﺈﺳﻌﺎﺩﻩ ، ﺍﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﻭﻫﻮ ﻳﺼﺮﺥ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻲ :
- ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ ﻳﺎ ﻭﻏﺪ ﻟﻘﺪ ﺃﺗﻴﺘﻚ ﺑﺎﻹﻓﻄﺎﺭ .

ﺍﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻣﺬﻋﻮﺭﺍً ﻋﺒﻮﺳﺎً ﻷﺟﺪ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ ﺷﻌﻴﺮ ﻻ ﺗﻜﻔﻲ ﺭﺿﻴﻊ ﻭﻛﺄﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺧﻦ ﻓﻴﻪ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﺸﺎﻱ ، ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻓﻄﻮﺭﻱ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .. ﻭﻣﺮﺕ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻧﺰﺍﻧﺔ ﻭﻋﺮﻓﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗﺪ ﺃﺗﻰ ﻭﻣﻌﻪ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻳﻔﺘﺢ ، ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ، ﻟﻘﺪ ﺟﻠﺐ ﻟﻲ ﻭﺟﺒﺔ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺒﺰ ﻭ ﻃﺒﻖ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺗﺠﺮﻱ ﻓﻴﻪ ﺑﻀﻊ ﺣﺒﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺻﻮﻟﻴﺎﺀ ، ﻓﺘﺮﻛﻪ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻛﻠﻪ ، ﺃﻣﺎ ﻭﺟﺒﺔ ﺍﻟﻐﺪﺍﺀ ﻓﺎﻟﻘﻠﻢ ﻣﺮﻓﻮﻉ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻳﻮﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺮ ﺛﻘﻴﻼً ﻭﺳﺘﺄﺗﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻜﺮﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺭﺣﻞ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﻭﻣﻌﻪ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻟﻴﺄﺗﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻳﺠﺮ ﺫﻳﻠﻪ ﻟﻴﺴﺘﻘﺮ ﻓﻮﻕ ﺯﻧﺰﺍﻧﺘﻲ ﻟﻴﻔﺮﺽ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻲ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻘﻪ ﺃﺧﻮﻩ ﺍﻟﺼﻴﻒ
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺑﺎﺭﺩﺓ ﺟﺪﺍً ، ﻛﻨﺖ ﺃﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺃﻛﺘﺴﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻟﺠﺴﺪﻱ ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﻨﺎﺩﻧﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻟﻜﻨﻪ ﺗﻌﻨﺖ ﻣﻌﻲ ، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺗﻤﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﺣﺘﻀﻨﻪ ﺑﺪﻝ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﺩ .. ﻭﻣﺮﺕ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻭﻣﻊ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻭﻫﻴﻜﻠﻲ ﺍﻟﻌﻈﻤﻲ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻣﺘﺸﺒﺜﺎً ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺳﻂ ﺃﺭﺑﻊ ﺣﻴﻄﺎﻥ ﻻ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺧﻄﻮﺗﻴﻦ ، ﻭﻓﻲ ﻇﻼﻡ ﻻ ﻳﺨﻒ ﺳﻮﻯ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻈﻬﺮ .. ﻭﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍﺳﺘﺤﻮﺫ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻱ ﺍﻟﻨﺤﻴﻞ ، ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻭﺑﺪﺃ ﺟﺴﺪﻱ ﻳﻠﺘﺼﻖ ﺑﺎﻟﺴﺮﻳﺮ ﺍﻹﺳﻤﻨﺘﻲ ، ﺃﻣﺎ ﺷﻌﺮﻱ ﻻ ﻳﺤﺪﻩ ﺳﻮﻯ ﺍﻷﺭﺽ .. ﻛﻨﺖ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺸﻮﻫﺔ ﺑﻞ ﻭﻣﺒﻌﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻴﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻭﻳﺨﻠﺼﻨﻲ ﻣﻦ ﻋﺬابﻲ ، ﻭﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻲ ﺣﺎﺭﺱ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺭﺣﻞ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻴﺠﺪﻧﻲ ﻋﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺼﺪﻕ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻭﺭﺣﻠﺖ ﺑﺸﺮﻳﺘﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ :
- ﻫﻞ ﺃﻧﺖ ﺇﻧﺴﺎﻥ ؟ ﻫﻞ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺣﻲ ؟
- ﺃﻧﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺣﻲ ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺳﺮﻗﻮﺍ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻭﺃﻋﻤﻮﻧﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺎﺯﻟﺖ ﺑﺼﻴﺮ .

ﻟﻘﺪ ﺣﺮﻛﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺒﺲ ﺩﻣﻮﻋﻪ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ ﺟﻠﺐ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺧﻔﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺮﻩ ﺃﺣﺪ ، ﻟﻘﺪ ﺧﺎﻃﺮ ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻲ ، ﻭﻫﻨﺎ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺃﻧﻪ ﻣﺎﺯﻝ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻮﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﺣﺒﺎﺕ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺟﺎﺝ ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﻗﻒ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺒﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ، ﻭﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺳﻨﺘﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻴﺪ ، ﻭﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻨﻲ ﺑﺄﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ، ﻭﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻛﻨﺖ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﺑﻔﺎﺭﻍ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﻑ ﺣﺎﻝ ﺃﺳﺮﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ، ﻭﻓﻲ ﺻﺒﺎﺡ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺟﻠﺐ ﻟﻲ ﺍﻟﻔﻄﻮﺭ ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ :
- ﻋﻨﺪﻱ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺳﻴﺌﺔ ﻟﻚ
- ﻻ ﺑﺄﺱ ، ﻗﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺃﻣﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻲﺀ ﻭﺍﻟﺠﻴﺪ
- ﺇﺧﻮﺗﻚ ﻫﺎﺟﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ، ﻭﺃﺑﻮﻙ ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻣﻨﺪ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻴﻦ .
- ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ ﺃﻣﻲ ؟ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻣﺎﺫﺍ ﺣﻞ ﺑﻬﺎ .
- ﺃﻣﻚ ﻣﺎﺗﺖ ﺣﺰﻧﺎً ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻌﺪ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻚ ﺑﻮﻗﺖ ﻗﺼﻴﺮ ، ﺃﻧﺎ آسف

ﻭﺧﺮﺝ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﻭﺃﻗﻔﻞ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻭﺃﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻭﺃﺗﺼﻮﺭ ﻛﻴﻒ ﻣﺎﺗﺖ ﺃﻣﻲ ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻏﻤﻀﺖ ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ، ﻧﻌﻢ ، ﻧﻌﻢ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺴﺒﺐ ، ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺠﻤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺮﻕ ﺃﻣﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺎﺗﺐ ﻧﻔﺴﻲ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺍﻗﺘﺮﻑ ﺃﻱ ﺫﻧﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﻛﺰﻱ ﺍﻟﺤﺴﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﺩﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺗﺠﺮﻋﺖ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﻐﻴﺮﻩ ﻗﺼﺮﺍً ﻭﻏﺼﺒﺎً ، ﻭﻣﺮﺕ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺣﺘﻰ ﺃﻛﻤﻠﺖ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﻋﻠﻲ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺗﺒﺪﻭ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻪ .
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ : ﺃﺭﺍﻙ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻞ ﺳﻴﺘﻢ ﺗﺮﻗﻴﺘﻚ ﺃﻭ ﻣﺎﺫﺍ ؟
- ﻻ ﺑﻞ ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺳﺘﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ

ﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮﻱ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺃﺑﻜﻲ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ، ﻗﻀﻴﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ ﺃﻧﻨﻲ ﺳﺄﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺣﻴﺎء ﻭﻛﻴﻒ ﺫﻟﻚ ؟ ﻫﻞ ﺃﻧﺎ ﺃﺣﻠﻢ ؟ ﻟﻢ ﺃﺻﺪﻕ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﻭﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﺧﺸﻰ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻭﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻓﺘﺢ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺭﺟﻼﻥ ﻟﻢ ﺃﺭﺍﻫﻤﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﻣﺤﻬﻤﺎ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻭﺃﺧﺪﻭﻧﻲ ﻷﺳﺘﺤﻢ ﻭﺃﺣﻠﻖ ﺷﻌﺮﻱ ﻭﺃﻏﻴﺮ ﻣﻼﺑﺴﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﺼﻘﺖ ﺑﺠﺴﺪﻱ ، ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺴﻴﺮﺓ ﺇﺯﺍﻟﺘﻬﺎ .. ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻭﺿﻌﻮﺍ ﺍﻷﺻﻔﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﻭﻋﺼﺒﻮﺍ ﻋﻴﻨﻲ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﺑﺄﻱ ﻛﻠﻤﺔ ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻢ ﺃﻓﺘﺢ ﻓﻤﻲ ، ﻓﻠﻢ ﺃﻋﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻠﻴﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ، ﻭﺃﺧﺬﻭﻧﻲ ﻣﻌﻬﻢ ﺧﺎﺭﺝ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎﺩ ﺃﻣﺸﻲ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺳﻨﺘﻴﻦ ، ﻭﺃﺣﺴﺴﺖ ﺑﺪﻑﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ ﺃﺩﺧﻠﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻭﺍﻧﻄﻠﻘﻮﺍ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﺘﻬﻢ ، ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺎﺯﻟﺖ ﻟﻢ ﺃﺗﻔﻮﻩ ﺑﻜﻠﻤﺔ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻓﻜﺮ ﺑﺎﻟﻘﺎﺩﻡ ، ﻭﺃﺧﺸﻰ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻠﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻋﺘﺒﺮ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻨﻬﻢ ، ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺤﻮ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺣﻲ

ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻃﻮﻳﻞ ﻭ ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻭﺃﺧﺮﺟﻮﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺣﺮﺭﻭﺍ ﻳﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﻔﺎﺩ ، ﻭ ﺗﻤﺖ ﺃﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻲ ﻭﺃﺩﺧﻠﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﻭﺑﺪﺃ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﺤﺪﻕ ﺇﻟﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺃ ﻳﻔﺘﻲ ﻋﻠﻲ ﺟﺮﻣﻲ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻡ ﻭﺧﺘﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ :
- ﻟﻘﺪ ﻏﻔﺮﻧﺎ ﻟﻚ ﻭﺃﻧﺖ ﺍﻷﻥ ﺣﺮ ، ﻟﻜﻦ ﺇﻳﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﺨﺒﺮ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻋﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﻭﺇﻻ ﺳﺘﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﻟﻢ ﺃﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺍﻻﺣﺘﻘﺎﺭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭ ، ﻛﻴﻒ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻧﻬﻢ ﻏﻔﺮﻭﺍ ﻟﻲ ؟ ﺃﻱ ﻏﻔﺮﺍﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﺤﻖ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺎﺕ ؟ ﻛﺎﻥ ﻓﻤﻪ ﻛﻔﻮﻫﺔ ﺍﻟﺒﻨﺪﻕ ﻳﻨﺜﺮ ﺑﻪ ﺭﺻﺎﺹ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ .. ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺃﺧﺮﺟﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭﻗﺪﻣﻮﺍ ﻟﻲ ﻧﻈﺎﺭﺍﺕ ﺷﻤﺴﻴﺔ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺎﻝ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ :
-  ﺍﺭﺣﻞ ﺍلآن ، ﻭﺃﺫﻛﺮﻙ ﺇﻳﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﺘﻔﻮﻩ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻋﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﻭﺇﻻ ﺳﺘﻌﻮﺩ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻨﺘﻈﺮﻙ

ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺿﻊ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎﺏ ﻃﻮﻳﻞ ﻋﻨﻬﺎ ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺳﻴﺮ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻌﺜﺮ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﺴﻴﺮ ، ﻭﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ، ﻧﻌﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ ﻣﺎﺯﻟﺖ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺃﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ، ﻭﻣﺮﺭﺕ ﺟﻨﺐ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺩﺭﺱ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺘﻬﺎ ، ﻫﻨﺎ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻛﻞ ﺃﻣﻨﻴﺎﺗﻲ ﻭﺃﺣﻼﻣﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻔﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻗﺒﺮﻫﺎ ﺩﻭﻥ ﻋﺰﺍﺀ ، ﺛﻢ ﻭﺍﺻﻠﺖ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺒﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻟﻴﻪ ، ﻓﻘﺪ ﺿﺎﻉ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻤﻼﺕ
ﻛﺎﻥ ﺷﻌﻮﺭ ﻏﺮﻳﺐ ﻳﺮﺍﻭﺩﻧﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻒ ﺃﻧﻈﺮ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺗﺸﺒﻪ ﺣﺎﻟﺘﻲ ، ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻬﺠﻮﺭ ﺗﺎﻫﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭ ﺗﺒﻌﺜﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﻠﻜﺎً ﻟﺸﺒﺎﻙ ﺍﻟﻌﻨﺎﻛﺐ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ ، إنها ﻣﻨﺒﻊ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﻭﺷﺒﺎﺑﻲ ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺼﻦ ﺍﺟﺘﻤﻌﻨﺎ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻧﺎ ﻭ ﺃﻣﻲ ﻭﺃﺑﻲ ﻭﺇﺧﻮﺗﻲ ، ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺲ ﻗﺮﻳﺐ ﺃﻭ ﺭﺑﻤﺎ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺗﺸﻊ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ، ﺃﻳﻨﻬﻢ ﺍﻷﻥ ﻭﺃﻳﻦ ﺃﻧﺎ ، ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺍﻗﺘﺮﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﺫﻧﺐ ﺑﺤﻘﻚ ﻳﺎ ﺯﻣﺎﻥ ؟ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ .. ﺛﻢ ﻣﺴﺤﺖ ﺩﻣﻮﻋﻲ ﻭﺟﻤﻌﺖ ﺃﺣﺰﺍﻧﻲ ﻭﺩﺧﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺑﺪﺃﺕ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻐﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﺳﺘﻠﻘﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ، ﻛﺎﻥ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻓﻴﻪ ﻧﺴﻴﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ، ﺛﻢ ﺃﻏﻤﻀﺖ ﻋﻴﻮﻧﻲ ﻭﻏﺮﻗﺖ ﻓﻲ ﻧﻮﻡ ﻟﻢ ﺃﺳﺘﻔﻖ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﻴﻦ ، ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻬﻜﺎً ﻭﺗﻌﺒﺎً ، ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﻛﺎﻣﻞ ﺃﺗﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺟﻴﺪﺍً ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺍﺕ ، ﺣﺘﻰ ﻗﺮﺭﺕ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻻﻛﺘﺸﺎﻑ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .. ﻛﻨﺖ ﺃﺟﻠﺲ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺃﺗآﻣﻞ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻭ ﺃﺿﻮﺍﺀ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺭﻳﺔ :
- ﻳﺎ ﺇﻟﻬﻲ ﻟﻘﺪ ﺗﻐﻴﺮ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻭ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ

ﻭ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺷﺎﺭﺩ ﻏﺎﺋﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺃﻧﺘﻔﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﺬﻋﻮﺭ ﻷﺟﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﺗﺄﺧﺮ ﻭﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺃﺻﺒﺢ ﺧﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ، ﻟﻘﺪ ﻇﻨﻨﺖ ﺃﻧﻨﻲ ﻣﺎﺯﻟﺖ ﻓﻲ ﻗﻴﺪﻱ ﺃﻋﻴﺶ ﻣﻊ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ، ﻭﺗﺮﺟﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﻘﻌﺪﻱ ﻭﺃﺧﺪﺕ ﺃﺳﻴﺮ ﺟﻨﺐ ﺍﻟﺤﻴﻄﺎﻥ ﻣﻨﺤﻨﻲ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻣﺘﺠﻪً ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺘﻲ ﻭﺭﻭﺣﻲ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺳﺠﻴﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﺮ ﺭﻏﻢ ﺣﺮﻳﺔ ﺟﺴﺪﻱ ، ﻭﻋﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺮﻱ ﺑﻌﺪ ﺍلآن  ، ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺃﻣﺘﻠﻚ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻓﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺃﺧﺪﺕ ﻣﻨﻲ ﻛﻞ ﺃﺣﻼﻣﻲ ﻭﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻲ ﻭﻫﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺑﺤﺮﻱ ﻭﻣﺰﻗﺖ ﻛﻞ ﺃﺷﺮﻋﺘﻲ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ﺗﺎﺋﻬﺎ ﻭﺭﺍﺿﺨﺎً ﻭﻋﺒﺪﺍً ﺩﻟﻴﻼً ﻷﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ، ﻭﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﺟﺐ ﻋﻠﻲ ﻓﻴﻪ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻝ .. ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺒﻘﻨﻲ ﺑﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺻﻌﺒﺔ ، ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﻣﻨﺒﻮﺫﺍً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻨﻬﻢ في ﺣﺎﻟﺘﻲ ، ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻲ ﻛﺎﻟﻤﺘﻤﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺛﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻌﺘﺮﺽ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻄﺊ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ، ﻭﻭﺳﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﺬ ﻗﺮﺭﺕ ﺃﻥ ﺃﺣﻤﻞ ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻤﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻢ ﻭﺃﺧﺘﺮﻕ ﺻﺮﺡ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻷﺧﻠﺪ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ، ﻭﺃﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻭﺃﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺃﻭﺗﺎﺭﺍً ﺃﻋﺰﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺷﺠﺎﻧﻲ
ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﺗﺮﺣﻞ ﻋﻦ ﺳﻤﺎﺋﻲ ، ﻭﺑﺪﺃ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻳﺮﺣﻤﻨﻲ ، ﻷﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﺷﺨﺺ ﺃﺧﺮ ﺗﻐﻴﺮ ﻛﻠﻴﺎً ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻟﻲ ﺃﺳﺮﺓ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻟﺤﻴﺎﺗﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺗﺤﺮﺭﺕ ﺭﻭﺣﻲ ﺃﺧﻴﺮﺍً ، ﻟﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﺍلآت  ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺳﺄﻧﺘﻈﺮ ﻟﻴﻜﺒﺮ ﻭﻳﺤﻘﻖ ﺃﺣﻼﻣﻲ ﻭﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻲ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺃﻋﻄﺎﻧﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﺃﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺃﺟﻠﺲ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻭﺃﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻠﻲ ، اﻵﻥ ﺃﻧﺎ ﻣﻨﻜﻢ و ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻨﻲ .. ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﺳﻌﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻲ ، ﺣﺘﻰ ﻣﺮﺕ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﻟﻔﺘﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮﺗﻬﺎ ، ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺪﻭﻧﻲ ﺑﻬﺎ ﺃﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﻀﺒﺎﻥ ، ﻭﻫﻨﺎ ﻃﺎﺭﺕ ﺍﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻭﻋﺎﺩ ﺑﻲ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺭﺍﺀ ﻭﺗﺬﻛﺮﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﺴﺄﻝ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻲ :
- ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺠﻼﺩ ، ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺠﻼﺩ ، ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻭﻏﻨﻲ ﻟﻲ ﻭﺃﺳﻤﻌﻨﻲ ﺃﻟﺤﺎﻥ ﺣﻨﺠﺮﺗﻚ ، ﻣﺎﺫﺍ ﺍﺳﺘﻔﺪﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ؟ ﺟﺎﻩ ، ﺃﻭ ﻣﺎﻝ ، ﺃﻭ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺗﺴﻠﻘﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻱ ، ﻗﻮﻟﻲ ﺃﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻤﺘﻜﻢ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ،  ﻭﺃﻳﻦ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﻓﻴﻜﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ؟ ﻫﻞ ﺗﺪﺭﻱ الآن ﺃﻧﻨﻲ ﺭﺑﻤﺎ ﺳﺄﻋﻴﺶ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻚ ؟
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺷﺎﺭﺩ ﻗﺎﻃﻌﺖ ﻃﻔﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺧﻠﻮﺗﻲ ﺑﺼﺮﺍﺧﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﻠﻌﺐ ﺃﻣﺎﻣﻲ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒﺮاءة  ﺗﺸﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻛﻨﺖ ﺃﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺃﺭﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺻﻐﻴﺮ ، ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﻤﻮﺡ ﻭﻧﻔﺲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺗﻤﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻗﺪﺭﻱ ، ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻻﺣﻈﺖ ﻧﻈﺎﺭﺗﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ وﻗﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮﻱ ﻭﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﺑﺮﺍﺀﺓ ﻭﻋﻔﻮﻳﺔ :
-ﻣﻦ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﻋﻤﻲ ، ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﺭﺍﻙ ﺗﺠﻠﺲ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ؟
ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﻋﻄﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ، ﻗﺒﻠﺖ ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ :
- ﺃﻧﺎ ﻳﺎ ﺻﻐﻴﺮﺗﻲ ، ﺍﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ .



محمد بن صالح

تعليقات

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

أغرب القصص في الإنترنت المظلم -1-