الرجل القادم من دولة غير موجودة!



ذات يوم في شهر تموز عام 1954، في اليابان، التي كانت زمنذاك تنفض عنها غبار هزيمة الحرب العالمية الثانية، تحديدًا مطار هانيدا في العاصمة طوكيو، حطت طائرة أوروبية بالركاب الذين أتوا لبلاد الشمس المشرقة، وكان كل شيء يسير برتابة طبيعية، وموظفي المطار يرسمون ابتسامة ترحيب مدفوعة التكلفة في وجوه المسافرين، بعد وقبل ختم جوازات سفرهم، حتى وقف رجل أنيق، يُقدّر في منتصف العمر، أمام موظف المطار وقدم له جواز سفره لختمه، ثم ليتمنى له مقامًا سعيدًا في اليابان كما حدث مع من سبقه، إلا أن ذلك لم يحصل، فقد ظلّ موظف المطار يرمق بدهشة جواز سفر هذا الرجل المنتصب بالانتظار أمامه، وقد دُوّن فيه، بأنه أُصدر في دولة لم يسمع بها الموظف من قبل، وتدعى، توريد، وإلى هنا تم الاحتفاظ بهذا الرجل الغامض، والآتي من مكان ما بانتظار تحقيق جمارك المطار معه.

صورة يُعتقد أنها تعود للمسافر القادم من دولة توريد

بعد التحقيقات الأولية لتبيان هوية هذا المسافر الغامض، ظهر أنّ لا وجود لدولة اسمها "توريد"، التي تظهر على جواز سفر يبدو أصليًا، لكن الرجل استغرب لمنعه من الدخول اليابان، ويُصّر بأن دولته موجودة منذ ألف عام، وقد سبق أن زار اليابان، على غرار دول أخرى عديدة دون أن يعترض طريقه أحد، كما يظهر في جواز سفره، حيث أختام الدول التي زارها، وكلها أصلية.. كما يتقن الرجل التحدث باللغة الفرنسية والإسبانية، وكذلك اليابانية، ويحمل معه عملات دول أخرى، وكشف بأنه آتٍ لليابان لزيارة عمل، وأطلع درك الجمارك عن اسم الشركة التي أتى إليها، وكذلك الفندق الذي سينزل فيه.

في الأخير تم نقل المسافر الغامض، إلى مركز الأمن في مطار، واحتجازه هناك، قصد التعميق في الاجراءات الأمنية، وقد راودت الشكوك رجال الشرطة، كون هذا المسافر، ربما يُخفي أسرار ما، وقد يجدون أنفسهم أمام مجرم قادم إلى بلدهم، أو جاسوسًا.. في البداية بدأ التحقيق من دولته المزعومة، وجاؤوا له بخريطة عن دول العالم، لتحديد دولته فيها، فأشار بسبابته دون تردد إلى مكان موجود بين فرنسا وإسبانيا زاعمًا أن هنا يوجد وطنه الحبيب، المسمى، توريد.

المكان الذي أشار إليه المسافر الغامض على أنها دولته توريد.

حيث وضع المسافر الغامض سبابته في الخريطة قائلاً: هذه بلادي توريد؛ لم يكن سوى إمارة أندورا، التي تعتبر سادس أصغر دولة في العالم.. وبعد إخبار المسافر على الاسم الحقيقي للمكان الذي أشار إليه؛ رفض تصديق ذلك، وأردف بأنه لم يسمع قط بإمارة أندورا، ويُقسم يمينًا، على أنه يُشير لوطنه توريد، الذي لا أثر له في الماضي ولا الحاضر، إلا على جواز الرجل ومخياله.

تغاضى رجال الشرطة عن وطنه الوهمي، وبدأوا في البحث عن وجهته التي كشف عنها سلفا، بداية باسم الشركة التي زعم أنه قادم إليها في رحلة عمل، ووجدت الشرطة أن اسم الشركة موجود حقًا في اليابان، واتصلوا بها للاستفسار عن هذا الرجل، فنفت الشركة أي صلة به.. ثم بحثوا عن الفندق المفترض أن ينزل فيه، كذلك كان اسم الفندق صحيحًا، واتصلوا بإدارته، إن كان لديهم حجزًا باسم هذا المسافر التائه، فأجابوا بالنّفيْ، وتيّقن رجال الشرطة بأن أمامهم محتال كبير، لكنه تعثر، فاحتفظوا به في غرفة محصنة داخل الفندق، ووضعوا الحراسة أمام بابها خشية أن يهرب هذا المشبوه، واحتفظوا بوثائقه العجيبة بانتظار استكمال التحقيقات.. لكن لا تحققيات استكملت، فقد عجّل المسافر الغامض على الرحيل، واختفى دون أثر يُخلفه، رغم الحِرس الشديد عليه، بعد أن وُضع في غرفة لا شرفة لها، بالإضافة إلى حارسين على الباب يقيان هروبه.. إنما الرجل كأنه اخترق بوابة سحرية، أو غدا سرابًا، واكتمل عرس العجبِ، عندما اكتشفت الشرطة بأن وثائق الرجل خرجت في إثْرِه، واختفت كذلك، برغم من احتفاظهم بها! لتنتهي قصة المسافر الغامض القادم دولة وهمية، اسمها، توريد.

أين الحقيقة ؟

في النهاية تبدو القصة منسوجة من مُخيِّلة أحدهم، وهو مبتدئ على ما يبدو في تلفيق القصص الخارقة، فلَم يدفع - على سبيل المثال - شخصياته البوليسية لتُكلف نفسها، في السؤال عن الطائرة التي جاء منها بطل قصته، ولم يذكر حتى اسم هذا المسافر.. وبات جليًا ضعف توثيق هذه القصة.. إلا أن محبي السفر عبر الزمن صدقوها على عوائدهم، برغم أن بطل القصة يرتد لباسًا عصريًا، والعملات التي يحملها، ليست سوى ما يستعمله الناس في ذلك الزمن، عكس المسافرين عبر الزمن الذين جاؤوا في قصص أخرى، وهم في مظهر عتيق، ما يوحي بقِدّم زمنهم، أو أبطال آخرون زُعم أنهم عادوا أدراجهم من المستقبل، ليخبرونا عن ماذا حلّ بالعالم في زمن لم يأتِ بعد! ولأجل هذا وذاك؛ فقد التقط قصة المسافر القادم من توريد، فريق من نوع آخر، وزعموا أن ذاك المسافر قادم من كَونٍ موازٍ، فيما يُعرف بالنسخة الأخرى للبشر، أو نظرية الأكوان المتوازية، التي تبقى في حدود الافتراض.

لو واصلنا في البحث عن حقيقة قصتنا اليوم، سنلقى في بعض المصادر - وإن هي ضعيفة - التي تناولت واقعة المسافر القادم دولة توريد إلى اليابان؛ أن الزيف قد تم اثباته حول مواطن دولة توريد، ولم يتلاشى في الهواء كما يُزعم، بل قضى سنة كاملة في سجن داخل اليابان، واسمه، جون آلان سيجروس، ويعود اعتقاله إلى عام عام 1960 في مطار هانيدا في طوكيو، بسبب تقديمه وثائق مزورة، منها جواز سفر يعود لدولة غير موجودة، هذا بعد أن سبق له المرور على مطارات أخرى حول العالم دون أن ينتبه أحد لدولته الوهمية، واعترف للمحققين اليابانيين، أنه عميل استخباراتي.

تعليقات

  1. ياسين الرامي24 يوليو 2022 في 12:52 ص

    من الواضح أن القصة مفبركة رغم أن غالبية قصص السفر عبر الزمن مفبركة إن لم نقل كلها ههههه واغتنم الفرصة لأبدي إعجابي بصورة الغلاف أما أسلوبك فعلامة مسجلة .. وبالمناسبة يبدو أن مدونتك في تراجع .. ألم تلاحظ ذلك ؟

    ردحذف
  2. أجّل، فقصتنا أعلاه، كل شيء فيها ينم عن تلفيق بادٍ حتى للضرير ^^

    اممم.. هذه أول مرة يُعجّبُ أحدهم بصورة أصممها، حتى كدتُ أتيقن بأني مصمم أغلفة فاشل هههه

    أصبت، ومنذ بداية هذه السنة، وأخشى أنه ليس تراجعا فقط، بل المدونة ربما انتهت بمعية صاحبها ^^

    ردحذف
  3. قصة غريبة تستحق أن يعمل لها فليم سينمائي وفي رأيي الشخصي هذا العالم ملئ بالعجائب والانسان لا يعرف فيه سوى شعرة واحدة لذا لا أريد أن أقول بأنه ممكن السفر عبر الزمن كما قرأنا عليه لكن قد تكون الحقيقة أغرب من الخيال

    بانتظار المزيد من كتاباتك الممتعة

    ردحذف
  4. أرجو أن تعذرني على التأخر في الرد.. وأتفق تماما معك في نقطة أن العالم تملؤه العجائب، وكذلك أن الحقيقة في بعض المرات أغرب من الخيال.

    شكرا على المشاركة معنا.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

تازمامارت .. أحياء في قبور !