أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-


 منير الرماش، الشاب الملياردير التطواني، الذي تحول - بقدرة قادرٍ - من شابٍ بائسٍ يبيع السجائر بالتقسيط في أسواق تطوان الشعبية، إلى أحد أغنياء المملكة المغربية، وهو دون الثلاثين عامًا.. كانت أول صورة تُنشر لصديقنا منير، تعود إلى عام 1987 في أحد أعداد (مجلة ماجد) في ذلك العام، ظهر في صفحة أصدقاء ماجد، طفلٌ مغربيٌ يُدعى مُنير الرماش، في محياه ما فاض من براءة وخحل.. لم يكُن يخطرُ في بالِ متصفّحي المجلة أنّ هذا الوجه الطفولي البريئ سيتّحولُ إلى خليفة بابلو اسكوبار في قارة أفريقيا.


في قرية بن يونس نواحي مدينة تطوان شمال المغرب، رأى منير النور لأول مرة في عام 1973، لأسرةٍ فقيرةٍ حالها حال أغلب سكان القرية المعزولة إن لم نقل المنسية.. لم يكمل منير تعليمه، وهاجر إلى مدينة تطوان هناك ليبحث له عن عمل.. أجمع أصدقاؤه أنه كان يبيع السجائر في أيامه الأولى في تطوان، وأجمعوا أيضًا أنّ الرماش كان نابغةً وشجاعًا.. فيما بعد صار منير يبيع بموازة السجائر كمياتٌ قليلةٌ من مخدر "الحشيش" لزبنائه المدمنين.. لكن ما حدث بعد ذلك يكاد لا يُصدق، ففي غفلةٍ من الجميع، انطلق منير كما ينطلق الضوء في الفضاء، ثم صار الشاب الفقير في الأمس، يلعب اليوم بالملايين! وبات الجميع في شمال المغرب يعرف ذلك الشاب الوسيم الأنيق، الذي يُدعى منير الرماش.

ماذا وقع؟

يُحكى أن منير الرماش كان يشتغل لمصلحة أحد كبار تجار المخدرات في مدينة تطوان، إلى هنا كل شيء يبدو طبيعيًا، لكن ما الذي أقلع بالرماش فجاة، هل انقلب على سيّده ونهش فيه؟ لا معلومة مؤكدة في هذا الصدد، ولا يُعرف حتى هوية من كان منير يشتغل معه.. ما يُشاع أنّ منير بدأ حياته الإجرامية بتهريب المخدرات إلى اسبانيا، وبسبب ما يكسب من دهاءٍ وذكاءٍ استطاع في وقتٍ قياسيٍ أن يكبر في تجارته ويحظى بصفقاتٍ خياليةٍ مع تجار المخدرات في أوروبا، ثم يقوم بتبييض الأموال واستثمار أموال تجارته الممنوعة في مشارع كبيرة في المغرب وأوروبا، حتى استطاع أن يدخل في مشاريع عملاقة مع رجال أعمال مغاربة واسبان كبار، هكذا بات الشاب الذي لم يلحق سن الثلاثين بعد، ملياردير معروف في الشمال المغربي، وبالأخصّ مدينة تطوان التي كان فيها الرماش سخيًا مع فقرائها، ولم ينسَ حياته الفقيرة السالفة، وعُرف على منير أنه يُقدم مساعدات ضخمة لا تقدمها حتى الدولة لفقراء الشمال المغربي، ما جعل بعض الأحزاب السياسية تلجأ إلى نفوذ الشاب في الشمال، لكسب أصوات المنتخبين.

عاش منير حياة باذخة، وأي إسرافٍ للمال كان فيه.. في صيف يظهر في البحر يخت الرماش، ويظهر فيه الشاب مُحاطًا بحراس أمنه الشخصيين.. أما عرس ابنة خاله، فقد جعله منير باذخًا أسطويًا في مدينة تطوان، حضرته فرقة موسيقية اسبانية وكذا المغني اللبناني وائل جسار، وفرق موسيقية محلية، إضافة إلى رجال أعمال وشخصيات معروفة.. وهنا قد يتساءل المرء أين الأمن وجواسيسهم، لم تُرك منير هكذا والكل يعرف أن مشاريعه قادمة من تبييض الأموال، وأنّ الشاب الشجاع يُغرق أوروبا وإفريقيا بالمخدرات؟ ألا تعرفون الجواب؟، تمامًا كما حدث مع بابلو اسكوبار، فقد تَوّرط مع الرماش رجال سلطة ذو نفوذ، ويُزعم حتى أن بعض رجال القصر لهم علاقة بالشاب التطواني.. هكذا هي لمحة في حياة منير الرماش التي كانت وما تزال غامضة يكثر فيها القيل والقال، حتى أنّ فريق آخر يعتقد أن الرماش لم يكن يومًا كما يظن بعض الناس، ولا هو فاحش الثراء ولا شيء من ذلكم، بل تم توظيف الشاب كواجهةٍ لأحد أباطرة المخدرات، او حتى مافيا دولية تُتاجر في الممنوعات، وانغمس معها الشاب التطواني، حتى قاموا بالتّخلص منه وجعلوه كبش فداء.. إلا أن هذا التحليل لم يلقَ التوافق الكبير، كَون منير الرماش لا يظهر عليه أنه مجرد بيدق يتم تحريكه، بل أذكى بكثير بشهادة أصدقائه ومن لهم القرابة به.

وسقط منير !

لا حال يدوم، وما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع.. في صيف عام 2002 سقط منير الرماش في يد الأمن، كما لم يتوقع في أكثر كوابيسه رعبًا، فالشاب يظن أن له نفوذ في جهاز الأمن المغربي، وكبار السلطة في الجهة مترطين معه، لذا فهو محميٌ من أصفاد الشرطة وبرودة الزنازن، ويعتقد أنّ أي خطر قد يهدده فسيتّم إعلامه في الحال، حتى يغادر المغرب قبل أن تتلاشى شمس ذلك النهار.

صرخ منير أثناء استجوابه: "أريد أن أتّصل بفلان وعلان، أين وكيل الملك؟ أين ذاك؟ وأين الذي؟". كأن لا أحد يعرفه، وأن الرماش ليس هو ذلك الرماش، لقد صار مثل متشرد تم انتشاله من شارع في آخر الليل.. رد عليه الضابط : "القضية أكبر مما تتصور يا منير، لقد انتهى أمرك". بعد أن سمع منير سبب اعتقاله؛ أغلق عينيه وأيقّن أن النهاية قد أقبلت، فهو بحاجة لتحقيق المعجزة حتى يستيقظ من هذا الحلم المفرط في بشاعته.

ماذا حدث إذن حتى سقط النابغة والملياردير الشاب؟

سيناريو توقيف منير الرماش، ينقسم لروايتين، الأولى تقول، أن في أحد أيام آب اللهاب من عام 2002، كان منير يتمشى برفقة صديقته الهولندية على مقربة من شاطئ مارينا سمير قرب مدينة المضيق، حتى خرج لهما المتطفلين وقاموا باستفزازهما وهم حتى لا يدرون من يكون، فما كان من الرماش إلا أن أخرج مسدسه وأطلق عليهم الرصاص، ليرسل أحدهم إلى مستودع الأموات، في نفس اللحظة كان الملك محمد السادس يقضي عطلته في إقامة قريبة حيث أطلق منير بعض الرصاصات، فسمع دويها الملك وأمر بفتح تحقيق، وهكذا تكلف بالأمر مدير أمن القصر شخصيًا. الرواية الثانية قريبة من الأولى، حيث يُقال أن عصابة منير الرماش كانت تتبادل اطلاق النار مع عصابة أخرى على مقربة من إقامة الملك في إحدى شواطئ مدينة المضيق، وصل دوي اطلاق النار لمسامع الملك، والتّتمة نفسها كما سردناها في الرواية الأولى. كيفما كان الحال، أُلقيّ القبض على منير الرماش وكل المتورطين معه، من بينهم رجال سلطة نافذين.. ليجد منير نفسه أمام تُهمٍ من الوزن الثقيل، كفيلةٌ بأن ترسله إلى ما وراء الشمس: التجارة الدولية بالمخدرات، حيازة الأسلحة، تبييض الأموال، التصفية الجسدية. أثناء محاكمته قال منير إنه يريد مساعدة المغرب وإقليم تطوان تحديدًا، وأنّ بإمكانه دفع بعض ديون الدولة!.. الكلام هذا أثار الأقلام الصحفية التي بدأت تُعطي أرقامًا خيالية تزعم أنها رؤوس المال التي يملكها الرماش.. ويُذكر أن محاكمة منير استقطبت اهتمام الرأي العام المغربي والأوروبي.. في عام 2003 أصدرت المحكمة على منير الرماش حكمًا قاسيًا بسجن خمسة وعشرين سنة نافذة، وما زال يقضي عقوبته السجنية إلى ساعة كتابة مقالنا هذا، وقد تم الحجز على كل ممتلكات الرماش، وعاد إلى نقطة صفر درهم.

اليوم يستحضر التطوانيين ابن مدينتهم، بالحسرة على الشجاعة والدهاء التي وظفها منير في غير محلها.. منير فقد كل شيء، إلا لقب واحد، ألا وهو كان أصغر ملياردير في تاريخ المغرب، وربما أفريقيا بأكملها.. تسعة وعشرون سنة كانت كافية لرماش أن يجمع فيها مصائب الدنيا والدين، فيها وصل إلى القمة ثم هوى إلى القاع.




(كلمة)

تُرى فيما تُفكر يا منير وأنت تقبع في زنزانتك لزمنٍ يقترب من عشرين عامًا؟ بعدما ملكت الدنيا ولك فيها ما تريد؛ ها قد جردك الزمن من آلائك المسروقة، وتُرك في تصرفك فسحةٌ لا تتجاوز بضعَ أقدامٍ، في ذات زنزانةٍ في المغرب، ونحن على علمٍ ببذاخة زنازن بلدنا!. أراك تسألني : "يا محمد، ألا يستّحق منا كل ذلك؟" أقول، نعم، وفي رواية أخرى، لا.

اسمه الحقيقي أحمد بونقوب، المشهور باللقب "الذيب" ومن لا يعرفه، يكفي قول أنه أحد أصدقاء أيقونة تجار المخدرات العالمي، الكولومبي بابلو اسكوبار، وكانا يجلسان في طاولة واحدة.

التالي...


#محمد

تعليقات

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

بوتفوناست (صاحب البقرة)

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

تازمامارت .. أحياء في قبور !