المشاركات

عرض المشاركات من 2024

وما زال في الناس قراء...

صورة
انتهيت من وجبة الفطور، وعدّلت بصري الذي كان معلقًا في شاشة تلفاز عملاق تبثُ الصرعات في مملكة الحيوانات بعد أن انطفأت بغتةً، فأخرجت هاتفي؛ فجأة تبين لي شاب يجلس أمامي ويقرأ كتابًا ما، أثار انتباهي القارئ ذاك في هذا الصباح، فقد خلق الاستثناء في هذا المكان، وكان المرء الوحيد الذي يحمل كتابًا، بينما البقية يُحدق في شاشة هاتفه الذي في يده أو واضعًا إياه على الطاولة بينما يدس المأكل في وجهه وأبصاره إلى الشاشة، وأنا واحد في رهط هؤلاء، عدا ذلك القارئ أعلن في مقامنا هذا، أنه ليس منا!  وضعت هاتفي على الطاولة، وخضعتُ لفضولي أن أعرف عنوان الكتاب الذي يفتحه هذا الشاب أمامي، ولم يطل انتظار فضولي حتى أشبعت رغبته، واكتشفت عنوان الكتاب، الذي سبق أن قرأته قبل بضع سنوات، إنها رواية   la chartreuse de parme  للكاتب الفرنسي هنري بيل والمعروف باسم ستندال، وهو أحد عمالقة الأدباء الفرنسيين في القرن التاسع عشر، وقد قام بتأليف هذه الرواية التي تُقرأ أمامي - بنهمٍ بادٍ - عام 1839، والذي عرفني عليه أحد أصدقائي القراء.  زاد إعجابي بهذا الشاب الذي يفتح كتابًا في  هذا الصباح، بعد أن عرفت عن ماذا يقرأ، فالذي يقرأ أمث

أسطورة تسليت أونزار (زوجة المطر)

صورة
في ليالٍ سادها صوت المطر المنهمر الصافع للأرض، ودوي الرعد كأنه مُهددٌ، والرياح ترد بصيحات مهيبة؛ يجتمع الأطفال محلقين حول جدتهم، التي استحضرت لهم حكاية مسقية مما حلّ بقريتهم هذه الليلة: يا أبنائي، صلوا على النبي: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كان ذات زمان في قريتنا، فتاة نالت من الجمال ما لم تنله واحدة من أقرانها في باقي الأصقاع. أحبت الفتاة المياه، فدأبت على زيارة النهر كل يوم، هناك تغتسل وتلعب بالماء، بينما يراقبها الشاب "أنزار" وهو إله المطر، الذي سقط صريع عشقها، فدفعه العشق ليغدق على محبوبته بالأمطار، فكان ذلك منفعة على القرية التي تعيش على ربيع دائم، فلا تجف ينابيع مياهها. فتساءل أهل قبائل الجوار، كيف أن أحبّت السماء تلك القرية ولا تنفك على سقياها، كما لم يحدث مع باقي القرى؟ قرر الشاب "أنزار" الظهور لفتاة النهر، وطلب يدها للزواج، فارتدى أحلى ثيابه وانتظر جنب النهر قدوم فتاته، حتى أجاءها حبها لمياه النهر، إنما هذه المرة لم يكن النهر وحيدًا؛ ففيه الشاب الذي عرف على نفسه وغايته، وكيف عصفت بقلبه بعد أن كان هو الآمر للعواصف. بوح "أنزار"

وجدتُ عملاً !

صورة
بعد أسابيع من العمل المُضنٍ في جنيّ الزيتون عند أثرى واحد في قريتنا، الذي كان جده قاطع طريق في باكورة الاستعمار؛ ناولني أجري في ألفيْ درهم. التزمت مع نفسي أن أُمتعها عند التحيّن الأول، وأعيش دور الأعوّز الذي تُطل الفرحة من عيناه، وأخذت في صرف كل المبلغ على ما يرضي سعادتي، ويضخ هرمون (الدوبامين) في عروقي. في اليوم الموالي اكتسّيتُ أزهى أثواب خزينتي، سروال جينز شديد الزرقة، وحذاء برتقالي، واستّقامت أناقتي بقميص أصفر، ثم توجهت إلى الطريق الرئيسية حيث تمر الحافلات قاصدةً المدينة. جاءت الحافلة المتوجهة إلى العاصمة، وأخذتني معها، هناك بعد نزولي إلى شوارع المدينة، أدركت أن أناقتي بها خرقٍ ما، فهي لا تمتثل لم يتأنق به الناس، إلا أن رضاي استكن لها، فلا غمغمة شك بعدها. بعد أولى خطواتي في العاصمة، فكرت كيف سأصنع سعادتي في أوج التمدن حيث أنا، قبل الارتداد إلى حضن المشقة في القرية؟ وأول قراراتي المتخذة، كانت في زيارة لابن قريتنا حتى أقضي ليلتي الأولى في منزله، كما سأدخر ثمن المبيت في الفندق، ثم لعله يدلني إلى مساكن صناعة السعادة في مدينته. اتصلت به وأفصح لي عن عنوان منزله. هلّني منظر منزله الفا