طيط صضيص .. أسطورة آكلات رمضان
وها نحن نعود لنطرق أبواب قِلَعُ الأساطير، وننفض الغبار -مرة جديدة- على المجلدات القديمة، لعلّنا نستخرج بين أورقتها ما هو جديد من القديم، من معتقدات الشعوب.. وبما أننا في حضور شهر رمضان؛ فسنحط الرحال عند أسطورة، لها شقٌ من شهر الصيام.. حكاية أسطورية أعدك، أنها لم تمر على مسامعك يومًا، فهي تُعد من النوادر، وقد أتيتُ بها من مجلد منفيٌ أعلى رفوف الأساطير الأمازيغية.
في الأمس البعيد، كان أمازيغ المغرب يتداولون، قصة أسطورة "طيط صضيص"، التي تعود نشأتها، إلى إحدى قبائل الأمازيغ، وأثناء شهر رمضان، قررت ست أخوات عذراوات، - أو عذارى - الإفطار دون عذر شرعي، بينما الناس صيام.. ولكي يأتين بهذا الفعل الذي يُعّد جرماً في أعراف القبيلة، وكذا طعنًا في ديانة الإسلام؛ اختارت الأخوات الست الافطار في غرفة يكنفها الظلام، ليردنّ فيها النهار ليلاً حالكًا، ثم هكذا بهنّ يفطرن مع العتمة، لتتستر على جريمتهنّ بعيداً عن أنظار أحد، عدى الله البصير. غضب الله عليهنّ ومسخهنّ نجمات في عنان السموات، تعرف بــ"طيط صضيص".
"طيط صضيص"، بالعربية "النجمات الست" أو ما يعرف عند العرب بــ "الثريا"، أي عنقود ست نجمات في السماء.. لكن مهلاً، أليست سبع؟.. بلى، فشائع أن العنقود فيه سبع نجمات، وفي بعض الحضارات يقدر عددها بأكثر.. سواء كانت ست، سبع، أو أكثر؛ فقد نسجت أساطير كثيرة حول "الثريا"، منها ما يُشبه معتقد الأمازيغ الأسطوري.. الإغريق تحديداً، في الميثولوجيا لديهم، فإن "الثريا"، هي سبع أخوات حولهنّ الإله "زيوس" إلى سرب حمام حتى يبعدهنّ على الجبار أو الصياد الذي يلاحقهن.. وبعد أن بِتنّ حمام؛ حلقنّ إلى أبعد نقطة في السماء، وهناك كنّ سبع نجمات، يشرقنّ بعد كل فترة من الزمن.. أما سكان الأمريكيتين القدماء، فيعتقدون في أساطيرهم، أن "الثريا" هي سبع شقيقات عذراوات، أنقذتهنّ روح عظيمة من دببة عملاقة، وأرسلتهنّ إلى السماء.
إذن فقد اشترك الأمازيغ والإغريق وكذا قدماء الأمريكيتين، في وصف النجمات، بــ "الشقيقات العذراوات"، والغريب أن عالم الفلك الفرنسي شار سيميه، بدره وصف تلك النجمات بــ "الشقيقات السبع".. لكن عند العرب، يختلف المعتقد تمامًا، فلا وجود عندهم لذكر الشقيقات ولا عذراوات.. فكما هو معروف أن اسم "الثريا"، عربي، وقد اشتّقهُ العرب القدماء، من كلمة "الثروة" بحيث إن الأسطورة العربية تقول، أن تلك النجمات، مباركة، ولو تَصادف المطر بشروقها، فهو يجلب معه الثروة.. وهكذا أسموها العرب "ثريا" ويتبركون فيها .
بالعودة إلى معتقد الأمازيغ القدماء، أو "طيط صضيص"، فهو يُذكرنا بأسطورة "بغلة القبور"، حيث المغزى ديني بحت، والمبتغى منه التحذير من المساس بِحرمة رمضان، وما يُدين به عامة الناس، على غرار العفة والزنى عند صديقتنا السابقة "بغلة القبور".. لكن البعض ذهبوا بعيداً.. بل بعيداً جداً، واعتبروا أنّ أسطورة "طيط صضيس" عند الأمازيغ، تعود إلى ما قبل الإسلام، وأن بعض الشعوب -ضمنها الأمازيغ- كان يأتي عليها أيام تمتنعُ فيها عن الأكل والشرب، في إحدى طقوس العبادة.. وأن الأسطورة ليس لها صِلة بصيام في زمن الإسلام.
كيفما كان نشأة الأسطورة، التي يظهر في الأخير أنها مجرد خرافة لطيفة كعادة بعض الحكايات الفلكلورية.. لكننا قد نتساءل من باب الفضول ولمز الواقع: ماذا لو كان عقاب آكلات رمضان، مسخ يرديهنّ نجمات في السماء؛ كم نجمة ستزين سماءنا اليوم؟.
#محمد
كتابتك عن الأساطير ممتعة أرجو المزيد من هذه الحكايات العجيبة الرائعة
ردحذفإن شاء الله.. أشكرك.
حذف