هشام العلوي .. أمير بلا مملكة !
هو من عائلة ملكية، وسليل كبار القوم، جده هو الملك محمد الخامس، عمه هو الملك الحسن الثاني، ابن عمه هو الملك محمد السادس، وجده من أمه هو اللبناني رياض الصلح، الشخصية البارزة في تاريخ لبنان.. وكذلك هو ابن خالة الأمير السعودي الواليد بن طلال بن عبد العزيز : إنه الأمير المغربي هشام العلوي، الذي اختار الخروج من نمط أمراء العرب، والتحرر على أعراف القصور.. اتهم بأنه أمير نرجسي سعى إلى ما لا يحق له وخرج من السرب، ليكشف للأغراب عن أسرار البلاط المغربي، ويضيف من عنده بحثا
عن تصفية حسابات، لحاجة في نفس يعقوب .. وآخرون يعتبرونه مثال حي للمثقف الأرستقراطي العربي، الذي إتسم بالشجاعة التي خولت له التخلي عن لقب مهيب ليس بامكان أي أحد امتلاكه، ألا وهو "الأمير" في سبيل العيش الحر.
ولد هشام العلوي في القصر الملكي بالرباط في ربيع عام 1961، ليكون الابن البكر للأمير عبد الله، وله شقيق أصغر منه، الأمير اسماعيل.. عاش طفولته داخل القصور الملكية، وقد كان شاهدا على محاولاتا الإنقلبيتين على عمه الملك، وأشهر الجنود السلاح في وجههه رفقة والدته في انقلاب الصخيرات عام 1971.. وبعد عام رأى بأم عينه نهر الدماء في مطار الرباط أثناء محاولة الانقلاب الثانية.
انطلقت مرحلة دراسة الأمير هشام في المدرسة المولوية داخل القصر الملكي رفقة ولي العهد الأمير محمد وأبناء الأمراء.. يصف هشام هذه المرحلة في كتابه "سيرة أمير مبعد"، أنه في بداية الأمر كان سعيدا، وكان مقربا من ولي العهد الذي يكبره بعام، واعتبر علاقته به صداقة قوية، بل ذهب بعيدا واعتبر ولي العهد بأنه كان سندا له في خلافاته مع عمه الملك.. لكن لم يستمر هشام طويلا داخل المدرسة المولوية، وغادرها صوب المدرسة الأمريكية في الرباط.. ثم تابع دارسته الجامعة في جامعة برنستون في نيو جيرسي، الولايات المتحدة.. ليتخرج بالتخصص العلوم في السياسة، وفي عام 1997 حصل على الماجستير في فنون الأدب في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، الولايات المتحد.. متزوج وله ثلاث أبناء، يشتغل حاليا رجل اعمال، وسياسي، وناشط اجتماعي، وكذا موظف في جامعة ستانفورد.
في المغرب لقب بالأمير الأحمر، كونه متمرد مثير للجدل، ومن هنا استلهم عنون مذكراته التي نشرها في عام 2014 يتحدث فيها عن حياته داخل البلاط المغربي تحت عنوان "سيرة أمير مبعد".
يكتب هشام العلوي :
«أنا سعد للعيش بعيدا.. فعوض أن يكون لك مئة صديق، لديك فقط خمسة أصدقاء؛ لكن على الأقل تعلم أنهم هنا من أجلك».
ويبقى السؤال : ماذا حصل لهشام، حتى اختار أن يعيش بعيدا عن القصر الملكي المغربي، وهو أمير ابن الأمير؟
يعرف عامة المغاربة أن الأمير هشام هو شخص متمرد منذ صباه، ولم يخضع لأعراف العائلة الملكية المغربية.. وما زال بعض المغاربة يتذكرون الأمير هشام في مراهقته وهو يلعب بعينيه في مجلس كان الملك الحسن الثاني يتحدث فيه، بحضور أمراء ورجال المغرب، لقد التقطت عدسات الكاميرة هشام وهو لا يبالي بكلام عمه، بل وكأنه يستهزئ به وبالحضور.
هذا وقد انتشرت اشاعات كثير عن الأمير المشاغب، وغدت تصرفاته تثير الأقلام الصحافية في المغرب وفرنسا.. والكل بات يعرف أن الأمير هشام ليس كغيره من الأمراء.. وأصبحت غضبات عمه الملك تلاحقه، جراء تصرفاته.. فتدخلات الأمير المثير للجدل تعود إلى فترة دراسته في المدرسة الأمركية في الرباط، حيث "السر الكبير" الذي يدعي الأمير اكتشافه في تلك الفترة.. هذا السر له علاقة مع أستاذته الأمريكية نانسي الطويل، زوجة مبارك الطويل أحد الضباط المتورطين في الانقلاب الفاشل ضد الملك عام 1972 وما يعرف بانقلاب أوفقير.. حكم الضابط مبارك الطويل بعشرين سنة سجنا نافذا، وكان يقضي عقوبته في السجن العسكري في مدينة القنيطرة، حتى فوجئت زوجته باختفاءه رفقة مساجين آخرون لهم علاقة بالانقلابين الفاشلين عامي 1971 و 1972.. أخبرت الأستاذة الأمير هشام عن هذا الإختفاء، أو كما يبدو بأنه اختطاف، وأنها تعتقد أن الدولة قامت بتصفية المعتقلين سرا من بينهم زوجها.. وطالبت من الأمير أن يستفسر الملك عن الأمر، وكذلك فعل هشام، فلم يجد جوابا من عمه، وتيقن أن هناك سرا كبيرا.. حتى ذات يوم وصل الأمير أخيرا إلى اكتشاف هذا السر الكبير، عندما اعترفت له أستاذته الأمريكية بأن رسالة وصلتها من زوجها المسجون المختفي، يقول فيها، أنه يتواجد في معتقل سري يدعى "تازمامارت" قرب الصحراء، رفقة باقي السجناء العسكريون.. وطالبت الأستاذة نانسي من طالبها الأمير، أن يرتب لها لقاء مع الملك لتناقش معه موضوع زوجها.. فرفض الملك وحذر ابن أخيه هشام من التدخل مرة أخرى فيما لا يعنيه. هذه الأحداث لا يعرف قدر مصدقيتها نظرا لأنها جاءت في مذكرات الأمير هشام، ولا تدعمها مصادر أخرى.
الأمير وقضية عمر الرداد
هشام، الأمير الأحمر، الذي يتدخل كثيرا في شؤون لا تعنيه.. أبرزها قضية عمر الرداد، البستاني المغربي الذي إتهم في فرنسا بقتل مشغلته، عام 1992 بسبب عبارة كتبتها الضحية على الجدران بدمها قبل موتها : "عمر قتلني" (omar m'tuer). هي عبارة تحتوي على خطأ املائي فادح؛ إلا أنها كانت كافية لتدين عمر البستاني الريفي، بقتل مشغلته الميسورة "جيزلين مرشال".. قضية أثارت الرأي العام المغربي، وشغلت بال الشعب في أوائل التسعينات.. برغم أنها قضية قد تبدو عادية ولا تستحق أي ضجة؛ إلا أن الإعلام المغربي وكذا الجمعيات المغربية المهتمة بحقوق الإنسان، والجمعيات المغاربة المقمين بأوروبا وخصوصا فرنسا، جعلوا منها قضية ساخنة، والكل تعاطف مع البستاني البسيط ومصر على براءته. خاض الأمير هشام سباقا مع عمه لتبرئة الرداد، ما لم يرق للمك.. فالأمراء عادة لا يتدخلون في مثل هذه القضايا التي تهم العدالة، واستدعى الملك الأمير قائلا له : "عمر الرداد مواطن مغربي، ومهمة الدفاع عنه في هذا القصر تقع على عاتقي انا، لا أنت". رغم ذلك واصل هشام تمرده واتصل بمحامي والدته قائلا له : "يجب انقاد هذا الشاب". في الأخير انسحب الأمير مجبرا غاضبا، ثم خرج ينتقد مواقف الحسن الثاني وكيفية الدفاع عن البستاني المغربي.
يقول هشام العلوي، أنه كان واثقا من براءة عمر الرداد .. لكن السبيل الذي سلكه الملك ومحاميه لم يكن مجديا، لقد وظفوا أساليب لم تكن لتخدم براءة الرداد حتى لو لم يقض يوما واحدا في السجن.
يقصد هشام من كلامه، أن محامي الرداد إتهم القضاء الفرنسي بالعنصرية، وحاول الضغط على القضاء بأساليب حساسة.. حيث قال محامي عمر الرداد : "قبل مئة عام تمت إدانة ضابط شاب لأنه كان يهوديا (في إشارة إلى قضية ديرفوس) واليوم تدينون بستانيا لأنه مغربي". ولهذا اعتبر هشام أن الرداد لم يحظ بمحاكمة عادلة سواء كان بريئا أو مذنبا.
بعد هذه القضية بلغت العلاقة بين الأمير وعمه الملك، درجة متدنية، حتى كانت هي النقطة التي أفاضت الكأس، ثم غادر المغرب بعدها.. وعلم المغاربة أن هشام قد أصبح أمير مغضوب عليه، ولم يعد يظهر رفقة الأمراء، ولم يعد له وجود في صور العائلة الملكية، حتى توفي الملك الحسن الثاني في صيف 1999 ليعاود الأمير الأحمر الظهور، في جنازة عمه.. لكن يأبى هذا الهشام إلا أن يكون مثيرا للجدل، ففي يوم التوقيع على وثيقة البيعة للملك الجديد محمد السادس؛ لم يلتزم هشام باللباس التقليدي المغربي كما تنص الأعراف، وأتى بلباس على هواه.
انتهى زمن الحسن الثاني، وبدأ عهد ملك شاب، لكن ظلت شخصية الأمير هشام كما هي.. فبعد اعتلاء محمد السادس العرش؛ أخبره هشام عن رأيه الصريح المنتقد للنظام الملكي، والجيش و"المخزن" (النخبة الحاكمة في المغرب) واقترح عليه عدة تغييرات.. بعد ذلك بيومين أبلغه مدير البرتوكول الملكي، أن الملك لا يريد أن يقابله مرة أخرى.. فهم الأمير هشام أنه غير مرحب به، ليعاود مغادرة المغرب صوب الولايات المتحدة.
في عهد محمد السادس، واصل الأمير هشام انتقاد الملكية والأحزاب في المغرب.. اعتبر تعامل المغرب مع الرببع العربي بأنه تحايل، ويقول أن الملكية في المغرب موسومة بالعنف، ولا يرى الديمقراطية من دون ملكية دوستورية.. كما ينتقد هشام الأنظمة العربية جمعاء، ويجدها في تحليلاته أنها مهترئة لا تخدم شعوبها، ويرى أن الربيع العربي فشل في التغيير، ولم يضف ما يذكر لديمقراطية في الشرق الأوسط.
في مذكراته، صور هشام نفسه بأنه ذو حق، وكل ما قام به لم يكن سوى ما يتوجب أن يكون.. استحضر والده الأمير عبد الله وأتنى عليه كثيرا، ووصفه بالشخص الموجود في قلب الأحداث، لكنه في نفس الوقت على الهامش، في إشارة إلى سيطرة عمه الملك الحسن الثاني على كل شيء.. لكنه لا ينكر في نفس الوقت لعمه الملك جانبه الحسن، وأقر أنه كان مقربا منه ومتعلقا به في الكثير من الفترات، وأن عمه لم يكن يفرق بينه وبين ابنه ولي العهد.
بعد نشر مذكراته؛ اعتبره منتقدوه خائنا، عندما نشر أسرار القصر، فنادرا ما ينشر أمير ما مذكراته يتحدث فيها عن أمور تعتبر شأن داخلي للملكيات.. دافع هشام عن نفسه في هذا الشأن، معتبرا أنه لم ينشر أسرارا، بل حقائق أو ربما غرائب.
ويبقى السؤال، ماذا يريد الأمير هشام العلوي من كل هذا الجدل ؟
سؤال مطروح، تلاه آخر : هل تدخلات هذا الأمير في الكثير الأمور، لا تتعدى باب الإنسانية ؟ الأرجح كلا.. فقد اعتبر بعض المحللين السياسيين، أن الأمير هشام يحب الظهور في القضايا التي يسلط عليها الضوء أكثر.. فهو يسعى على ما يبدو لأن يكون شخصية نافذة في البلد، ويأخد له مركزا مهما داخل أورقة الدولة، على غرار أمراء ممالك الخليج، حيث أمراؤها هم من يستولون على المناصب الكبرى في البلاد.. لكن هذه مملكة المغرب وليست إحدى ملكيات الخليج؛ فلن تقبل الأحزاب المعارضة أفراد الأسرة الحاكمة في مناصب القرار. إن معارضو الأمير الأحمر، يعتبرونه شخصية متناقضة، فهو ينادي دائما بالمسواة والديمقراطية، لكنه يبيح لنفسه، الجواز السفر الدبلوماسي، والإقامات والأملاك والأموال، وكل ما ورثه في عهد لعبت فيه الأميرية دورا مهما في الإنتشار والتوسع. تلك كانت قراءة التي ذهب إليها بعض المحللين ومعارضو الأمير.. بينما آخرون يعتقدون أن الأمير هشام، لا يسعى لأي منصب، ولم يكن يركب أي موجة مواتية لخدمة مصالحه.
"الأمير هشام.. مسار طموح غير متزن" كان هذا عنوان كتاب أصدره الكاتب والصحفي المغربي، علي عمار باللغة الفرنسية، يتناول فيه مسار الأمير هشام المثير للجدل، فقد كشف الكاتب الذي كان مقربا من الأمير أثناء اشتغاله بجريدة "لوجورنال" عن أسرار كثيرة عن حياة الأمير الأحمر.. وقلب أوارق علاقة قديمة بينهما انتهت مع توقف المنبر الإعلامي. يكتب علي عمار، أن الأمير هشام عرف كيف يرسم لنفسه صورة الديمقراطي المضطهد بخطاباته العنيدة، قبل أن تخدش هذه الصورة المزعومة، بفعل عوامل التعرية، بعدما فر عنه حواريوه وصحافيوه.. يردف الكاتب أنه يتبنى دائما (العصرنة) حتى أضحت خطاباته مستهلكة.
يكتب علي عمار :
"كان الأمير الأحمر يحلم منذ سنوات، بأن يكون العمود الفقري لنظام في المغرب الجديد (أي بعد وفاة الملك الحسن الثاني).. وفي الاجتماعات التي كنا نعقدها، كان يقول بأن تجربته يمكن أن تشكل إضافة لنظام"
أعاد الكاتب شريط اللقاءات التي جمعته مع الأمير، الذي لا يكف ينادي بالديمقراطية، وينتقد الأنظمة العربية متهما إياها بالفساد؛ لكن خطابه الثوري يتعارض مع رجل لا يبدو مهموما بلأوضاع في البلدان العربية، والمغرب على الخصوص، فلا يعطي ولا يأخذ، إلا حيث يستفيد أكثر.. والمقرابين من هشام، يعرفون أنه يحلل ويناقش انطلاقا من ذاته.
في أواخر عام 2018 خرج هشام العلوي في الإعلام وأعلن أنه قد طلب رسميا قبل ثلاث سنوات اسقاط لقب الأمير عنه، وإعفائه من تصنيفه ضمن ورثة العرش في المركز الرابع.. وقد وضع هذا الطلب على طاولة الملك محمد السادس، وهو بانتظار البت في هذا الطلب.
علاقة هشام العلوي والعائلة الملكية حاليا
سئل هشام العلوي مرارا عن علاقته مع العائلة الملكية في المغرب.. كان في كل مرة يجيب بأنه يحترم كثيرا ابن عمه الملك، وما زال يحتفظ له بتلك الصورة الجملية عندما كانا طفلين مقربين من بعضهما داخل القصر وفي المدرسة المولوية.. وصرح أنه لم يره سوى مرتين منذ توليه العرش، لكنه لا يجد أي قيود أثناء دخوله المغرب. وعن علاقته بشقيقه الأمير اسماعيل، يقول أنه شقيقه ويحبه حب أخ لأخيه، ويتواصل معه على استمرار.. واعترف أنه بعد تخرج ابنته فايزة العلاوي؛ فوجئ بالملك محمد السادس يتصل بها ليقوم بتهنئتها على تخرجها.. ما جعل هشام يعاود الإتصال بالملك ليشكره على تهنئة ابنته. مصادر صحفية مغربية تناولت العلاقة الجيدة بين أبناء الأمير هشام والملك محمد السادس، وباقي أفراد الأسرة الملكية.
سئل هشام العلوي مرارا عن علاقته مع العائلة الملكية في المغرب.. كان في كل مرة يجيب بأنه يحترم كثيرا ابن عمه الملك، وما زال يحتفظ له بتلك الصورة الجملية عندما كانا طفلين مقربين من بعضهما داخل القصر وفي المدرسة المولوية.. وصرح أنه لم يره سوى مرتين منذ توليه العرش، لكنه لا يجد أي قيود أثناء دخوله المغرب. وعن علاقته بشقيقه الأمير اسماعيل، يقول أنه شقيقه ويحبه حب أخ لأخيه، ويتواصل معه على استمرار.. واعترف أنه بعد تخرج ابنته فايزة العلاوي؛ فوجئ بالملك محمد السادس يتصل بها ليقوم بتهنئتها على تخرجها.. ما جعل هشام يعاود الإتصال بالملك ليشكره على تهنئة ابنته. مصادر صحفية مغربية تناولت العلاقة الجيدة بين أبناء الأمير هشام والملك محمد السادس، وباقي أفراد الأسرة الملكية.
(كلمة)
هذا كان الأمير الأحمر.. الشخصية المغربية الدولية المثيرة للجدل : هشام العلوي، المتمرد المثقف، الأمير بلا مملكة، الثائر الأرستقراطي.. الذي مهما اختلفوا معه؛ إلا أنه يجبرهم على احترامه في النهاية.
#محمد
مقالاتك جميلة وفريدة واصل أخي العزيز
ردحذفالقادم أعظم إن شاء الله..
حذفبارك الله فيك.