أن أرى !


أستضيء متوهما بشمعة وحيدة، أظنها تتراقص شعلتها مع انسلال هواء تائه إلى غرفتي، كأنها شعلة خالدة.. أو هكذا تبدو بسبب بطء انقضاء الزمن، فساعتي لا عقارب.

أجتر الحنين إلى رؤية البشر.. يحدوني شوق عنيد إلى شعر امرأة باسقة تخطو واثقة ؛ أجعله ملحفتي في غشاء ليالي البلا ختام. لا نجوم لها ولا قمر.. ليل خالد صرع النهار وأرداه مفقودا، وسحق بصيص ضياء فغدا مطلب العمر الثمين، المستحيل.

أملا في مطلبي الوحيد في كل ما يعج به العالم ؛ "أن أرى". شعاع نور، ومضة عين أسترقها من الوجود، من شأنها أن تنسيني كل عتمات عمري.

تحل بي وحشة عنيفة في أيام الشتاء. أحن إلى أن أبصر المطر وهو يتساقط من السماء ليجري في الأرض، ويستقر في برك غائرة.. أشتم التراب اللزج بالمطر، فيزيد شوقي وعنفواني، حتى يكاد يمسني الجنون ليخلصني من عقلي، الذي بات هو عدوي.. فما أخبار الربيع ؟  و تلك الأشجار لا ترجحها ريح إلا في خيالي. آه، خيالي، لقد تهد وتوهن وهو يكسو الأشياء في صور مفترضة.

تائه في هذه البسيطة لا مقصد لي ولا مرمد.. تراني أنكس أنفاسي وأطرق رأسي وألوذ في ظلماتي.. مدينتي معتة، إنما العالم كله كنفه الظلام إلى الأبد. أين كنت؟ على الأرجح قد بلغت الأماكن التي كلها تتشابه، حتى ما عاد من حقي الترافع عن نوائبي.. هو سجن بلا زنازن، بلا أسوار، بلا حراس؛ لكني مسجون فيه بحكم المؤبد ! منعت علي الرؤيا، وأن أبصر ماذا حل بالعالم؟.

آه، من الأمس، حين كنت ضريرا، واليوم قد أبصرت.



انتهت.

تعليقات

  1. جميلة مع أنني لم أفهم جملة النهاية جيدا، هل يتحسر على أمسه حين كان ضريرا، أم يتحسر على كونه تأخر كثيرا حتى رأى العالم .

    عموما من رأيي هو لم يفوت شيئا، أن يكون ضريرا ويتخيل العالم جنة أفضل من أن يرى الواقع ببشاعته وقبحه..

    قيل في إحدى القصائد وقرأتها سابقا.. لا أعرف كاتبها صراحة ..
    قالوا العمى منظر قبيح ..قلنا بفقدي لكم يهون .. تالله ما في البلاد شيء.. تأسى على فقده العيون .

    في هذا الزمن العمى نعمة..

    مع تحياتي ..

    ردحذف
  2. هذا هو مربط الفرس.. جملة النهاية؛ لأنها قد تفهم في منطقين، لأنه قال )آه،( أي كأنه يتحسر على ماضيه الأعمى حين كان يتصور العالم بأفضل حلة، أو يتألم له بعدما رأى النور أخيرا.. هذا يذكرني بفيلم شاهدته قبل سنوات كان بطله أعمى، وكان طبعا حلمه أن يرى، وفي نهاية استعادة البطل بصره ووجد كل المحطين به يكذبون عليه، فقال يا ليتني ظليت أعمى!

    هذا الشعر الذي ذكرته كتبه شاعر اسمه أعتقد بشار أبو معاذ. وأشياء أخرى ^^ اسمه طويل جدا ولا أتذكره كاملا. عموما إنه شعر معبر جدا.

    أتمنى أن تعجبك القصة، وشكرا على المرور

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

بوتفوناست (صاحب البقرة)

ايسلي و تسليت .. أسطورة العشق الأمازيغية

بنت الدراز