النفور من الكتابة




كم هو شعور رائع عندما أنتهي من كتابة مقال أو قصة !، وتعترني فرحة كفرحة الأب بمولده الجديد.. للأسف، كان هذا فيما ما مضى، في زمن المنتديات الغابرة.. اﻵن صرت أخشى من اتمام قصة أو مقال ! فكم من مرة وجدت ما كتبته وتعبت عليه حديثا، لا يقارن أبدا بما كتبته سابقا.. كأن الزمن عندي يسير بالمقلوب، وأتقدم إلى الوراء.. حتى وإن انتهيت من نص جميل ! كما تبدو سماه للوهلة الأولى، ثم أعيد قراءته من جديد؛ فلا أجد فيه ما يذهلني، كما في السابق، ثم ينتهي به الحال منفيا  مع نصوص الظلام.. وأتساءل هل أسلوبي شاخ وعجز؟ أو ربما  وصل إلى قممه منذ زمن، وماعد بامكانه المضي قدما، وتراه يترنح كيف ما اتفق؟. لا أعرف، و أﻥّ لي أن أعرف؟ الأرجح أن الفقير جاد بما عنده. كلما أعرفه أني  صرت أتجشم كتابة سطر واحد، ولم تعد نصوصي تذهلني قبل القراء.. هذه قصتي المتواضعة مع الكتابة، التي تناهز عقد من الزمن.. منذ كنت مراهقا ثانويا، عشق الكتابة من والده الملم بالعربية وكنوزها، ويا بعد ما بينهما اليوم.  في تلك السنوات حظيت فيها بمديح وتشجيع، كما كان نصيبي وافرا من أسهم النقاد، بعض منهم استفدت منه الكثير، والأغلب كان - كما أطلق عليه - نقدا أهوجا، وبيع الأوهام، وما أكثره في يومنا هذا.. ولي أيضا من التجريح نصيبا.. نعم، لقد تعرضت لسب والقذف، بسبب ما أكتبه.. طبعا لا أبرئ نفسي؛  فليست كل نصوصي بريئة، إلا أنها لا تستحق أن تشتم كاتبها.. اﻵن أجد نفسي في مرحلة سابقني إليها الكثيرين، ألا وهي مرحلة الشك، والتساؤل : ماذا سأجني من هذه السطور ؟ وبالأحرى؛ ماذا جنى غيري بهم ؟.  وحتى لو احترفت الكتابة، وبعد؟ : جاه؟ جلال؟ عزة؟ مال؟. فجاء الجواب عاجلا لا يعلوه غمام : الكتابة بريئة من كل ذلكم.

في الواقع أعرف الكثيرين توقفوا عن الكتابة، لسبب أو لآخر.. أغلبهم أصابهم مصابي، فانطفأ حماسهم بعد محاولات عديدة من الكتابة.. أحدهم من  أصدقائي القداماء، الذي كنا ندير معا صفحة أدبية في موقع (فيس بوك).. هذا الأخ عاش حبا جامحا مع الأوراق والأقلام - أكثر مني بكثير - ثم صار ينفر من الكتابة رويدا رويدا، حتى فانت لدنه بعد صراع طويل لأجل البقاء.. ليت الأمر توقف هنا، ووضع قلمه ومضى في سبيله؛ بل انقلب الصديق هذا على العربية وأضحى يحتقرها! : ماذا تضيف لنا هذه اللغة يا محمد؟ لاشيء، فلا محل لها بين لغات العلم.

هكذا يستصغر المحب القديم معشوقته الغابرة. أجد نفسي في حيرة لتفسير هذا الإختلال، والهزة العنيفة التي أطاحت بمشروع أديب، وكرهت إليه حتى اللغة العربية بعدما زينت في عينه؟ .. حتما لن أصل إلى هذه المرحلة، قد أضع القلم جانبا يوما وأعود إلى تخصصي الأكاديمي؛ لكن أبدا لن أتنكر للعربية ولعشرتها القديمة.. وإلى حين سأظل على وصية أستاذ الفلسفة، السيد رضوان أسفري، الذي قال لي يوما : أكتب يا محمد، ما دام حتى قارئ واحد ينتظرك.





بنصالح

تعليقات

  1. السلام عليكم .. أزول فلاك أخي محمد
    أريد أن أقول لك لا تستسلم مع اني أعرف أنني لست بحاجة لأوصيك :)
    فلتكتب حتى إن لم يكن لك قراء , أكتب لنفسك , اكتب للكتابة , الأحاسيس لغة تسكن الإنسان و لا تستحق منه أن يتجاهلها , لذا فإن الكتبة سواء كانت شعر ام نثر هي ترجمة مادية لتلك اللغة المعنوية , و أريد ان أقول لك لا ترغم نفسك على الكتابة قبل أن تُكَوِّنَ تلك اللغة في داخلك شيئا , فأي محاولة لصنع أساور ذهبية فاشلة لا محالة إن لم يكن هناك ذهب , أليس كذلك؟ , إعطي نفسك الوقت , جرب ان تضع القلم جانبا , و تمعن اكثر في كل شيء من حولك , السماء , و العلاقة بينها و بين الإنسان مثلا , , العلاقة بين الإنسان و الأرض , كل شيء في الدنيا يجب أن نتفكر فيه , فقط مع انفسنا , دعنا نجرب ان نترك القلم جانبا هذه المرة , حتى نعطي فسحة للغتنا المعنوية كي تلملم نفسها , دون ان نستعجلها , أنا أيضا أعاني من هذه المشكلة منذ سنة , أشعر بجفاف , لا أستطيع كتابة قصة جيدة , أو كاملة على الأقل , لكن عندما استرحت من الضغط الذي يسببه لي التفكير بالقلم و الكتابة , بدأت أشعر بشيء من الإنتعاش بما حولي , التفكر في الاحداث التي تحصل , التفكر في العالم , السماء و الغيوم , حتى القمر لم يعد بسيطا , لم يعد مجرد و جه مضيء , بل وجدت انه قصة , و خلال هذا العام - أو أكثر من عام على ما اعتقد - وجدت في نفسي شيئا آخر , لقد أصبحت أفضل في كتابة الشعر , أريد أن أقول لك لا تجبر نفسك على الكتابة , خذ نفسا .. و انسى لوهلة انك كاتب أو شاعر أو أيا يكن , ما رأيك ؟
    آسفة لهذا التعليق الطويل قد يكون مملا , لكن هكذا , و اعتبرني من المعجبين بشخصيتك أولا قبل ما تكتب :)

    مع تحياتي و تمنياتي لك بالتوفيق .. بربروس

    ردحذف
  2. عليكم السلام

    أولا، إذا كنت من أحد معجبين بشخصيتي وما أكتبه ؛ فهنيئا لي.

    عندك حق، نعم يجب على المرئ أن يتوقف بين الحين واﻵخر ليسأل نفسه، ماذا بعد؟ في أي مجال كان.

    لكن هناك أيضا "الرتابة" أو "الإستشباع" إذا جاز التعبير.. أي البداية - في الأغلب - تكون متميزة، ثم مع مرور الوقت تنخفض روعة البداية.. وعشر سنوات ليست قليلة، ويتغير فيها الكثير.. خمسة عشر سنة ليست هي خمسة وعشرون.. أفكار الأمس واهتماماته، ليست نفسها اليوم.. إذن الزمن قاسي ويصدع الصخر.. الكتابة - بالخصوص - تحتاج إلى وقت، إلى ذهن صافي، إلى كل ما يدفع الإنسان لتسويد الأوراق، إلى...

    هو في بعض الأحيان أعرف ما هو سبب، تلاشي مستواي في الكتابة؛ الأمس كان ذهني صافي لا غمغمة فيه^^ اليوم أخوك هذا يا جنات، تتفرقع المطارق في رأسه.. في الأخير رغم ذلك سأكتب وأنشر.. فهو شعور جميل عندما أجد زوارا في مدونتي، عندما ألقى الناس قادتهم محركات البحث إلى مدونتي.. فكل هذا يستحق وقتا من هذه الحياة الفانية، لتقديم ولو فائدة واحدة لأحدهم.

    عموما الحديث يطول هنا.. وأشكرك جزيلا على هذا التعليق أو المقال ^^ المميز الرائع الفلسفي.. وحقيقة أنا معجب بثقافتك وكذا أفكارك ^^


    تحياتي.

    ردحذف
  3. ربي يسامحك ههه فلسفي ماذا , هو فقط ما أعتقده
    لكن لا تقلق هذا يحصل مع كتاب كبار , و منشوراتهم من الاكثر مبيعا
    قرأت رواية مؤخرا من تلكم الروايات , كانت رتيبة او كما نقول " سامطة " في بدايتها ثم مع حلول المنتصف اصبحت في غاية الغموض و التشويق و الحبك , لحد جعلني احاول ان اخمن ماذا يقبع في الخلف , لكن تصور , النهاية صدمتني و ضربت بكل ذلك التشويق و الغموض عرض الحائط , كانت نهاية سخيفة , بل ان الحدث الرئيسي الذي دار حوله كل ذاك الغموض , كان سخيفا , منيت بخيبة قاسية .
    لذا هذا يحصل كثيرا و هو امر عادي و تستطيع تجاوزه ان شاء الله
    سأدعوا لاخي بالتوفيق و بأن يحل كل مشاكله :)
    و يا لي من محظوظة إذا كنت معجبا بتقافتي و أفكاري :)
    سلام

    ردحذف
  4. ﻃﺒﻌﺎ ﻣﻌﺠﺐ ﺑﺜﻘﺎﻓﺘﻚ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻙ، ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻭﻟﻴﺪ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺃﻭ ﺭﺩ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ بمثله ﻫﻬﻪ ﻻ ﺃﺑﺪﺍ.. ﺃﻧﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻊ ﺍﻟﻮﻫﻢ.

    ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻱ ﺃﻱ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ.. ﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﺼﺪ "ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﺭﻕ" ﺃﺷﻐﺎﻝ ﻭﺣﻮﺍﺋﺞ ﻳﺠﺐ ﻗﻀﺎﺅﻫﺎ.. ﺃﻧﺎ ﺃﺣﻀﺮ ﺣﺎﻟﻴﺎ "ﺍﻟﻤﺎﺳﺘﺮ" ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺃﻋﻤﻞ.

    ﺷﻜﺮﺍ ﻟﻚ ﺃﺧﺘﻲ ﺟﻨﺎﺕ ^^

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

أغرب القصص في الإنترنت المظلم -1-

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما