ناحية العدم
أملا أملا يحدوني، إلى طفولتي.. إلى أيامي المصونة هنا.. حيث كل شيء بدا جميلا، وخيل لي أنه إلى أبد الأيام، فلا ريب لي في ذلك، ولا غمغمة السكون.. حتى ذات يوم أتى إلينا ليل ذا اكفهرار، فبدا سواده لامعا يعمي الأبصار!.. وإن كنت صغيرا ليل ذاك؛ إلا أن كل لحظة منها حملتها معي إلى الآن، وبعد اﻵن والأرجح الأبد.. تلك الليلة كنت أترجى السماء أن تكشف لي لغز ضوئها، الذي صرت أستبد منه الخوف، وعقلي الصغير يتجشم تأويل ماذا أصاب سماء مدينتي.. فعزمت على إماطة اللثام على الليلة الملغزة : أهو مصباح الله ؟ لا، قاطعة؛ يخبرني جني، أو ربما كان ملاك.. ثم صوت المآذن يضيف للمشهد إيحاء، بوجود الشيطان.. أمي تصرخ في، وتأمرني بالنوم وعدم الاكثرات لأضواء مدينتي.. طوحت بي في غرفتي، ثم أغلقت النافذة، وصفقت الباب وراء ظهرها.
بقيت جالسا فوق سريري؛ أتقوقع حول ذاتي مثل هر متوجس.. أشعر بخطر مجهول يطوق بي في كل الأنحاء... فبدا لي كل شيء مخيفا.. حتى الدولاب يرعدني !. ثم أطفأت النور وعدت إلى سريري، أسمع النداء في المآذن، يمزقه صوت السماء؛ الذي ما كان رعدا، ولا تلك الأضواء لم تكن برقا.. وما كنت أعرف حينها الجواب المطلق عن ماذا يلحق بمدينتي.. حتى كبرت في منفاي، وتعاقبت السنين، لأعرف أني حقا كنت على حق، وكل قشعريرة في جسدي، لم تكن متوهمة.. لقد كانت تلك الليلة نهاية وبداية.. لا بعدها ولا قبلها. ليلة هان عليها كل ما مضى من التبجيل، وطرحت بنا إلى سحق دركات عتماتها. إنها ذات ليلة من آذار، التي عوقبت فيه أمتي بلا ذنب، ولا تكفير خطايا مزعومات.. عقاب أراه اليوم وأنا أقبلت إلى مدينتي، بعد كل ما ضاع من زمن، بعيدا عن موطني قسرا.
أسير في أزقة مدينتي، وأجر وراء ظهري حقيبتي ومعها أوجاع تأبى الفناء.. ثم لأبحث في النسيان سلوة، وفي رماد الذكريات أفراح تنهض كالعنقاء.. آه، لو؟ لاشيء ! حتى الحلم، يطفو هناك فوق المستحيل.
لقد أقبلت إليك يا مدينتي؛ فلم أجد سوى بقايا بغداد تجر أسمالها متسخة إلى غير هدى.. إلى ناحية العدم. مثلي تماما.
تمت
محمد.
تعليقات
إرسال تعليق