حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي


     


كبر أطفال الأمازيغ على حكاية حمو أونامير.. قصة تأخذ خيالهم بعيدا بعيد إلى أن يرمي النعاس بجلبابه الثقيل , لتتوهج الأحلام ويستحال القبض عليها , لأن حكايتنا اليوم تلامس الخيال وتعيش في أرض لم يرمقها بشر بعد.

كان حمو شابا أتى من الحسن والنبوغ ما يحسد عليه , مات أبيه قبل أن يبصر النور ,  ليتلقى تربية حسنة من أمه . طالب في الكتاب أو ما يعرف عند عامة الناس بـ الجامع , أي التعليم العتيق - حفظ القرآن وقواعد النحو - في ذات صباح استيقظ حمو من منامه ليجد يداه مزخرفة بالحناء , أمر الحناء هذا مكروه إن تزين به الرجال عند قبائل الأمازيغ , ولهذا انفعل حمو ظنا منه أن أمه من زخرفت يده بالحناء , إلا أن أمه نكرت الأمر مستغربة حصول ذلك , حاول حمو اخفاء مصابه عن أقرانه في الكتاب وكذلك المعلم - الفقيه - خوفا من الفضيحة , إلا أن المصائب حلت بـ حمو بعد اكتشاف الجميع أمر الحناء ,  وبذلك تعرض أونامير لسخرية من أقرانه وتوبيخ المعلم , ما أذى به إلى هجر الكتاب قسرا.

قرر حمو أن لا ينام ليعرف من فعل به تلك الفعلة , و في إحدى الليالي تراءى ﻟـ حمو سرب من الحوريات بجمال آخاذ يدخلن من نافذة غرفته , ثم شرعوا بوضع الحناء على يده , حتى ما انتهوا من ذلك رحلت واحدة تلو الأخرى كما دخلن , إلا الأخيرة فقد أمسكها حمو من يدها وسألها من تكون , هل هي من إنس أو جان ,  قالت له بأنها ستجيبه إن هو أعطى لها الوعد أن يكون الذي ستقوله سرا ولا يطلع عليه أحدا , وعدها حمو بذلك , لتخبره أنها حورية قادمة من السماء السبع , وأنها راقبته هنالك حتى وقعت في حبه , وبذلك تركت أثر حبها على كف يديه متمثلا بالنقش بالحناء ، واعتذرت  ﻟـ حمو لما سببته من مصائب له , وأن الحناء عندهم رمز للعشق والسلام . سألها حمو إن كانت تقبل الزواج به , أجابت أن شرطها كبير وقد لا يقدر عليه , أجابها حمو أنه له مهما بلغ علاه  , لتفصح الحورية عن شرطها الذي ينص على أن يبني لها منزلا بسبع غرف وكل غرفة بمفتاح خاص بها , وتكون هي في سابع الغرف , قبل حمو الشرط بل و وفى به .

في ذات يوم خرج حمو لصيد بعدما دفن المفاتح في الأرض , إلا أن الأقدار شاءت أن يعثر عليها الديك و يسلمها إلى أم حمو التي كان الفضول يغزوها لمعرفة ما يخفيه عنها حمو في منزله الممنوع الولوج , فتحت أم حمو باب تلوى الباب حتى وصلت إلى الغرفة السابعة ,  وهناك كانت على موعد مع الحورية والزوجة السرية لإبنها الوحيد . عاد حمو في المساء ليجد زوجته الحورية غارقة في دموعها , استفسرها عن الأمر لتجيبه غاضبة أن أمه قد رأتها وبذلك قد كسر العهد الذي كان بينهما , توسل إليها حمو أن تغفر له ما حصل , ثم طلبت منه فتح النافذة معللة ذاك بأنها تشعر بالخنق , وما إن فتح حمو النافذة حتى طارت الحورية وخرجت عبرها وتركت حمو مكسور الخاطر حزين حزن الأرض على فراق حبيبته الحورية . خاصم حمو والدته على فعلتها وأبى أن يغفر لها.

في ذات ليلة رأى حمو في منامه أرض عجيبة تعيش ربيع دائم , وماء عذب زلال  يتدفق من السماء  , وحمامته البيضاء التي تتكلم لغة البشر , إنها زوجته الحورية , تكرر الروؤى في المنام حتى قرر حمو البحث عن تلك الأرض , ثم تذكر قول الحورية ليلة القبض عليها " أنها تعيش في السماء السبع " إلتجأ حمو إلى نسر عملاق ليحمله إلى السماء السبع , كان شرط النسر أن يطعمه قطع من اللحم كل حين أثناء الرحلة , بدأ حمو يخترق السموات على ظهر نسر عملاق , إلا أنه وقبل الوصول نفذ اللحم من حمو ليتوقف النسر على التحليق , ما جعل حمو يقطع من كتفه ليواصل الرحلة حتى حط به النسر في السماء السابعة , وهناك وجد حمو المشهد  الذي كان يراه في المنام , عثر أخيرا عن زوجته الحورية , عادت إليه الحورية لكن بشرط اخر وهو أن لا يطل من أحد النوافذ , إلا أن حمو خان الشرط من جديد ليطل من على النافذة الممنوعة , ومن تلك النافذة ظهرت  له أمه  وهي فاقدة للبصر من فرط البكاء على غيابه , مشهد كان كفيل أن يدق النبال في صدر حمو وإذ به يتذكر أمه , فما كان منه إلا أنه قفز من النافذة ظنا منه أنه سيصل إلى أمه , لكن تمزق جسده بين السموات ولم يصل إلى الأرض عند أمه , ولم يبقى في السماء السبع عند حبيبته .


تعليقات

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

بغلة القبور .. أسطورة الخيانة في حكايات الأمازيغ

الرجل القادم من دولة غير موجودة!

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-