عازب إلى الأبد
كانت تقول لي حبيبتي إنها تخشى الصراصير ، تذكرت يوم كنت صغيرا أضع صرصارا وسط خبزة وألتهمها.. الجوع كافر يا حبيبتي.. لكني لم أقل لها ذلك جهرا، إلى أن نفرت بعودها وهاجرتني، ومن ثم كرهت النساء وأحببت الصراصير.
أمي تطلب مني الإسراع بزواج :
- يا ولدي الوحيد ، ها أنت ذا قد فاق سنك الثلاثين ، ومازلت عازبا ! إلى متى تظل على أحوالك؟
لا أعرف لها جوابا يكون شافي لمرادها . لماذا لم تتزوج بعد؟ لماذا لم تتزوج بعد؟ سؤال ملت أذناي من سماعه.
- يا أمي ؛ إن الزواج اليوم أشبه بفريضة الحج ، إنه لمن استطاع إليه سبيلا؟ وأنا لا سبيل يهديني إليه.
في أحد الليالي الباردة ، فكرت بالزواج بعدما هزمني الزمهرير؛ سألت حالي إلى متى أنام وحدي مثل عجوز ضرير؟ لماذا لا أرضي أمي أخيرا.. تذكرت قول أحد أصدقائي : إن المتزوجون لا يشعرون بالبرد في ليالي الشتاء .. فكرت. إذن سأتزوج حتى أشعر بالدفئ مثلهم . « إذ يكون لك شريكة في الفراش فهذه هي الحياة ، إن العالم كله يجري من أجل الجنس، ولا شيء غير الجنس » . هذا الكلام قاله حشاش في أحد المقاهي البائسة.. فكرت. إذا كان الجنس هو الزواج : سأجمع في فراشي إحدى عشر عاهرة، ونعيش الحياة التي قال عنها الحشاش، بدون أوجاع الزواج.
في الصباح بدلا أن أقول لأمي صباح الخير ، قلت : سأتزوج يا أمي . لم تستوعب المسكينة الخبر وطلب مني أن أعيد ما قلته لتتلذذ به أكثر فأكثر ؛ فكررت قولي : الزواج يا أمي. ثم أطلقت العنان لزغرودة هزت حيطان منزلنا :
- يكفي يا أمي سيسمعنا الجيران
- أريدهم أن يعرفوا أن ابني الوحيد سيتزوج، سيصير عريسا، وأنا بعد حين سأكون جدة
- لكن يا أمي مازلنا في البداية
- إنما العروس يا بني؛ من تكون ؟
- لا أعرف يا أمي، اختاري أنت من تشائين، فأنا ما عدت أثق باختياراتي.
- ما رأيك بـ ابنة خالتك ؟ إنها مثقفة وجميلة وعلى خلق.
- فلتكن يا أماه .
بعد يومين توجهنا إلى منزل خالتي لخطبة ابنتها، لم أكن أثق كثيرا بقبولها . أمي تسير على الهواء من فرط السعادة ، الطريق بدا لي طويلا وأنا أفكر بكل شيء، الزواج ، الأولاد ، المسؤولية ، قنينة الغاز على أكتافي والحفظات في يدي لاهثا في الدرج.
عدتنا في المساء أنا وأمي ، ولا أحد منا يكلم اﻵخر؛ ثم عدت إلى عوائدي السالفة في لعن نساء العالم.. لم أكن في الأصل أهتم بزواج إلا بعد ليلة طرق فيه مخيلتي، وكأني أريد أن أجرب مغامرة جديدة وليس الزواج بأدبياته.. لكن ماذا؟ إنها المسكينة أمي؛ كسر خاطرها وأصابها الحزن لخيبة آملها ومتمنياتها . الزواج ، الأحفاد يركضون حولها ، أن تسمع كلمة جدتي من أفواه أبناء ابنها الوحيد، كل هذا قبل أجلها ؛ ذاك ما يرعبها.. لقد نامت دون لقمة طعام ؛ لعل المنام يطمس الهم ولو لحين
كنت أعرف في قرارة نفسي أني المذنب الوحيد هنا ؛ فأمي تستحق ما خير مني ليكون وحيدها .
وبعد؟
لقد ألقت علينا ابنة خالتي وابل من الشروط ،قد يعجز علي بابا نفسه من تنفيدها :
« العرس يكون في قاعة خاصة على غرار ابنة عمي ، أن تشتري لي خلخال بل اثنين من الذهب الخالص على غرار ابنة عمتي ، السكن لوحدي ، أن تدفع لي مليون ونصف في مهري ، كل هذا مبدئيا »
كان هذا كلام ابنة خالتي العانس بإذن الله، ما جعلنا أنا وأمي ننحني برؤوسنا عائدين خائبين مصدومين من شروط تبدو فيها التجارة أقرب من سنة الله ورسوله.
الحقيقة كما هي؛ أني لم أهتم لزواج يوما، ولولا أمي ماكنت جعلت ابنة خالتي تلقي على مسامعي شروطها المسمومة.. فكرت. أنا لا يهمني الزواج؛ لكن ماذا في الذي يهمه؟ هل ذاك الفقير لا يحق له تكوين أسرة؟ لأن جميلتنا ترى في نفسها ( دوقة ! ) ثم لماذا المهور فاحشة الغلاء في زماننا؛ أولم يكن في سالف الأزمان ثمن رمزي لا أكثر؟ ما الذي تغير؛ هل ذاك الشيء صار مذهبا يا ترى؟ لم أهتدي إلى جواب ، فماذا أقول لك يا سيدتي المتعجرفة : اللعنة على ما بين أفخادك.
في الصباح الغد، كنت قد سلخت من ذاكرتي ما حدث الأمس في منزل خالتي.. أمي مازالت حزينة. قبلت رأسها :
- لا يهمك ما حصل يا أمي ، إذا كان في نصيبي الزواج ، فسأتزوج.. هيا حضري لنا اليوم وجبة الكسكس التي أحبها ؛ فاليوم هو الجمعة ، فأريد أن أعود من صلاة الجمعة لأجدك سعيدة قرب صحن الكسكس الساخن
قالت وهي باسمة :
- ولا تنس أن تعود باللبن
- وهل لي أن انسى
- رضيت ورضي الله عنك يا بني .
هذه القصة كتبتها عام 2013 حيث كنت أنشر على صفحات الفيس بوك.. وفي القادم إن شاء الله سأضع بعض قصصي القديمة التي تستحق النشر
بنصالح - أغسطس 2013
لم تعجبني القصة كثيرا رغم البراعة في الاسلوب فيها بعض الجرأة في تناول الموضوع
ردحذفأهلا بك زائري الكريم.. أعتذر إذا خيبت آمالك هذه المرة، ورأيك عندي مسموع ومرحب به وإن شاء الله يعجبك القادم.. حياك الله.
ردحذفأزول فلاك ,
ردحذفالقصة اعجبتني و الموضوع الذي تتناوله و الاسلوب جميل و سلس و خفيف على القلب , لكني اتفق مع صاحب تعليق 18 نوفمبر بعض الشيء بشأن الجرأة التي في القصة , استمر بتقديم الافضل :)
أزوول..
ردحذفشكرا على كلامك الجميل.. أحترم رأيك وإن شاء الله تقرأ لي ما يعجبك في الآتي.. فعلا إن القصة تبدو جريئة؛ لكن وجدت نفسي لا بدا من ترجمة مشاعر البطل، حتى تبدو القصة أكثر صدقا، ثم القصة كتبتها عام 2013. وكنت آنئذ أكتب بجرأة أكبر ولم أغير في القصة شيئا سوى أني أضفت إليها بعض التحسينات.. عموما سأحاول في المرة القادمة نشر قصص تصلح لجميع الأعمار.. حياك الله