عرافة البلقان .. العمياء التي ترى ما لا يُرى !



»إن كل أعمى يقوده ملاك« تلك مقولة عتيقة عندنا في المغرب. وفي رأيي - الغير مهم - فلمسكين عفاه الله، لا تقوده سوى العصا. «يقال أن أحدهم أراد احراج أعمى فقال له : ما أخذ الله من عبده شيئا إلا عوضه؛ فبماذا عوضك أنت؟ أجابه  : عوضني الله أن لا أرى أمثالك» البعض يتساءل بماذا يحلم الأعمى؟  هل تدري أيها القارئ بماذا تحلم أو - ربما - ماذا ترى إحدى فاقدات البصر؟  ليس أن تعود بصيرة، ولا فارس يتقدم إليها على صهوة جواد أبيض. أبدا لا،  إنها ترى المستقبل ! أجل. ماذا؟ لا تصدقني : إذن أدعوك لتتعرف على احدى أشهر فاقدات البصر في القرن العشرين المثيرة للجدل.




تدعى «ﻓﺎﻧﻐﻴﻼ ﺑﺎﻧﺪﻳﻔﺎ ﺩﻳﻤﻴﺘﺮﻭﻓﺎ» تعرف بـ بابا فانغا أو بلقبها المشهور عرافة البلقان. إستولت على عمامة نوستراداموس العراف الشهير ، بل قالت له : إنك لا تعرف شيئا في التنجيم.. عرفت في كل بقاع العالم بتنؤاتها المثيرة، حتى أطلق عليها البعض نوستراداموس البلقان.
  ولدت في يناير عام 1911في بلغاريا وتحديدا في قرية ﺳﺘﺮﻭﻣﻴﺘﺴﺎ - الواقعة حاليا في مقدونيا - التابعة حينها للإمبراطورية العثمانية؛ مثل أي فتاة عادية لعائلة متواضعة، فوالدها كان مجند في الجيش، وولدتها ربة منزل. عاشت فانغا حياة طفولية عادية لا يميزها شيء عن أقرانها، حتى توفيت والدتها وهي مازالت صغيرة، إلا أن الأسوء لم يقع بعد لفانغا الصغيرة؛ ففي يوم نحس بغيض، عند بلوغها ربيع الثاني عشر، حاصرتها عاصفة مجنونة خارج المنزل، تاهت المسكينة في مجاهل الإعصار وقذفتها الرياح لترتطم بالأرض ما أذى إلى فقدان وعيها، لتعثر عليها عائلتها فيما بعد وهي شبه ميتة، إلا أنها استعادت وعيها أخيرا ، لكن فانغا لم تعد ترى النور بسب دخول كمية كبيرة من التراب والأوساخ في عيونها، لم تذهب بها عائلتها إلى الطبيب لإنقاذ بصرها، حتى انطفأت عيونها إلى الأبد.. تزوج والدها مرة ثانية، ويقال أن زوجة والدها كانت تعاملها معاملة حسنة ، لكن فانغا لم تبقى في بيت والدها لسبب مجهول، فقد إلتحقت بدار المكفوفين في مدينة ﺯﻳﻤﻮﻥ في صربيا، لتتعلم هناك القراءة والعزف على البيانو والتنظيف وغيرها.. وبعد مضي ثلاث سنوات ، عادت إلى منزل والدها بعد موت زوجته.. وعندما كبرت فانغا وأصبحت شابة، أصابها مرض غريب وصفه الأطباء بأنه خطير ، بل أكثر من هذا ؛ أعلموها أن أيامها صارت معدودة، فالتجأت فانغا لتداوي نفسها بالأعشاب؛ وللغرابة ما حصل ! فقد شفيت تماما ونقضت قول الأطباء، ومن هنا تغيرت حياة فانغا، حيث صارت تصف الأعشاب للمرضى بل وتداويهم بها، حتى ذاع صيتها في أنحاء البلد ، وفي الأثناء كان العالم يشتعل بسبب الحرب العالمية الثانية، وهنا ظهرت قدرة جديدة لدى بطلتنها، حيث كان يقصدها الناس لمعرفة حال دويهم في الجبهة ؛ مخطوبات يسألن عن خطبهن المجندون ومتزوجات عن أزواجهن إلخ.. فكانت فانجا تتنبأ بمصيرهم، وإلى هنا دشنت بابا فانغا العهد مع التنجيم، تزوجت في عام 1942 من رجل يدعى جوشتيروف ، واستمر الزواج الذي لم يثمر بلأطفال  حتى عام 1963 حيث مات جوشتيروف جراء مرض مجهول، أوقعه في ادمان الكحول. ولم تتزوج فانغا بعد ذلك حتى توفيت عام 1996 في مقدونيا عن عمر يناهز الخامس والثمانون..


أشهر تنبؤاتها :

كانت بابا فانغا تقول عند سؤالها كيف تستطيع كشف الستار عن ما يخفيه المستقبل : أن هناك مخلوقات غامضة تزورها وتعطيها المعلومات عن حياة الناس وما ينتظرهم في قادم السنين.. و قدر المهتمين بالعرافة العمياء ، أن تنبؤاتها أصابت بنسبة 85 بالمئة ، ومن بين أشهرها ؛ تفكك الإتحاد السوفيتي. الكثيرين سخروا منها آنذاك وتسألوا كيف لإتحاد السوفيتي أن تتهدم أركانه وهو القوة العظمى الأولى في الأرض، إلا أن توقع العمياء قد أصاب ؛ وانهار السوفييت مع جبروتهم عام 1991.. كذلك موت الزعيم الروسي جوزيف ستالين. وكانت هذه أكثر تنبؤات جدلا؛ حيث حددت تاريخ مماته بدقة، ولم يمر هذا التاريخ دون أن يغادر بالرجل الحديدي.. ونبقى داخل أسوار روسيا الشاسعة حيث تنبأت العمياء بفوز بوريس بلستن بالإنتخابات الرئاسية الروسية عام 1991 ليكون أول رئيس لروسيا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي..  وأيضا لم تسلم كارثة مفاعل تشرنوفل النووية عام 1986من توقعات فانغا.. كما تنبأت في الخمسينات بالإحتباس الحراري وقالت : إن المناطق الباردة ستكون دافئة ويدوب الجليد .. وفعلا ، فإن في السنوات الأخير إزداد دوبان الجليد في القطيبن والأرض تعاني من الإحتباس الحراري.
في السبعينات توقعت عرافتنا أن بحلول 2018 ستكون الصين أقوى اقتصاد في العالم ، إلا أن هذه النبوءة لم تتحقق كما هو معروف، فالإقتصاد الأمريكي مازال يهيمن على الأسواق العالمية، إلا أن المؤمنون  بـ فانغا ربطوا توقعها بالقفزة الكبيرة الذي شهدها الإقتصاد الصيني بين السبعينات والعقد الثاني من الألفية الثالثة، وهو مرشح بقوة ليجتاز هيمنة إقتصاد أمريكا في المستقبل .



فوز بارك أوباما بالمنصب الرئيس الأمريكي


تقول فانغا : »الرئيس الرابع والأربعون لأمريكا سيكون أسودا، ويكون أخر رئيس في الولايات المتحدة» كان هذا أحد أشهر تنبؤات فانغا، وبالفعل ففي عام 2008 فاز بارك أوباما الإفريقي الأصل بالإنتخابات الأمركية ليكون الرئيس الرابع والأربعون في سلسلة رؤساء بلاد العام سام.. إلا أنه لم يكن الأخير؛ فقد تلاه دونلد ترامب عام 2017 وبذلك صدق نصف ما توقعته فانغا.



هجمات 11 أيلول



» رعب رعب ! الشقيقان الأمريكيان سينهاران بعد اصابتهما بطيور حديدة، وستعوي الذئاب في الحرش وسيسير دم الأبرياء» كان هذا قول بابا فانغا عام 1989 .. ولم يستطع أحد معرفة ما تقصده العجوز آنذاك بكلماتها، حتى مرور الحادي عشر من أيلول عام 2001. الذي كان كفيل ليضع التفسير لما أشرت إليه العمياء.. حيث ربط المؤمنون بتوقعاتها عبارة « الشقيقان الأمريكيان « بـ برجي التجارة العالمية بمدينة نيويورك.. أما « الطيور الحديدية» فقد فسروها بالطائرتين المختطفتين التي صدمتا البرجين.. أما كلمة « حرش « فهي تعني بالإنجليزية » باش « إشارة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش.


غرق الغواصة النووية الروسية كورسك


قالت فانغا  : » في أغسطس عام 1990 أو عام 2000 ستختفي كورسك تحت الماء؛ وكل العالم سيبكي عليها» في البداية اعتقد الناس أو المؤمنون بقدراتها أنها تقصد مدينة كورسك الروسية، وأن إعصار آت ليلحق بالمدينة الدمار؛ حتى حلول أغسطس عام 2000 حيث شاهد العالم مأساة غرق الغواصة النووية الروسية كورسك في ظروف مبهمة، لتكون هذه من أقوى تنبؤات فانغا، لما لا وقد أشارت إلى تاريخ الحادث واسم الغواصة .

بعض توقعاتها  المستقبلية :

عام 2023 سيتغير مدار الأرض .
عام 2025 سيتلاشى عدد سكان أوربا .
عام 2038 سيكون بمقدار البشر الطياران نحوى كوكب الزهرة لجلب مواد الطاقة
عام 2030 الجليد القطبي سيدوب وسيرتفع منسوب المياه على الأرض.
عام 2043 ستتحول أوربا إلى خلافة إسلامية .
عام 2100 الإنسان سيخلق شمس إصطناعية لتضيئ الجانب المعتم من الأرض .
عام 2130 المدن ستعيش تحت الماء بمساعدة كائنات فضائية.

ختام

عند العرب مقولة شهيرة : «كذب المنجمين ولو صدقوا» لكن اسمح لي يا وسيم أن أقول لك ؛ أن هذه العبارة السالفة تحتوي على تناقض شنيع ، كيف لهم أن يكذبوا ويصدقوا في نفس الوقت؟!  الصحيح هو : »كذب المنجمين ولو صدفوا« .. لكن ماذا لو صدفوا مرة ، مرتين ، ثلاث ، فأكثر وأكثر...
ماذا ؟.



اقرأ كذلك :

روبرت ريبلي .. باحث أو مخادع ؟

محمد 



تعليقات

  1. المقال رائع كالعادة، سلمت يداك يا أخي:)

    بالنسبة للعرافة أو بابا فانغا، فأنا لا أؤمن بصحة توقعات نوستراداموس ولا أصدقه فما بالك بها هي!، أظنها(تهرس) كيما نقولو بالعامية ههه، ولحظها فإن ما تهذي به يكون صحيحا بطريقة ما!

    وذلك لأن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده كما نعلم..

    أما بالنسبة للعبارة هههه معك حق، لكن إن صدفوا وصدفوا فذلك لا يعني سوى أنهم محظوظون لا غير.. وماذا سيكون غير ذلك؟،

    سأنتظر تغير مدار الأرض، لأنه أقرب توقع، و إن حدث هذا سأرفع راية الاستسلام ههه وأسلم بقدرات عرافة البلقان..

    تحياتي:)

    ردحذف
  2. بارك الله فيك أختي ^^

    نعم، لا يعلم الغيب إلا الله.. وحتى نوستراداموس ما هو إلى بشر مثلنا .. لن يؤتى علم الغيب .. تلك العبارة شائعة جدا لكنها ليست في محلها لأن فيها تصديق .. الصواب هو : لو صدفوا بدلا من (لو صدقوا)

    لا لن ترفع راية الإستسلام ولن يتغير مدار الأرض ؛ لأن فانغا لا ترى حتى أمامها فكيف بها ترى المستقبل ههه

    شكرا على المرور الكريم .

    ردحذف
  3. صدقت يا اخي . كذب المنجمين ولو صدفوا وليس لو ضدقوا
    مقال ممتع شكر للمدون

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -