عد إلى هنا !

الجميع مبتهج ، حتى الحيطان تكاد السعادة تصدعهم، الزغاريد تنضح بها حنجرة ثلاث سيدات واقفات جنب الباب ، نسميهم في المغرب (النكافات) في الأغلب يكن ممتلئات يلبسن القفاطين وهن بنفس الميزان والطول ، مهامهن هي إطلاق الزغاريد حتى تشق عنان السماء ، وترديد بعض الأهازيج بانتظار قدوم ما طاب وشاه من الطعام . آه، آه،  لقد غدوت عريسا والدنيا ابتسمت أخيرا بعد دهر من الأتراح ، الليلة ليلتي ، والعروس هي عروستي ، وأنا لها ، وهي لي.
العروس في هذه الليلة ، كمثل معدن نفيس تحجبه باطن الأرض ، الكل يبحث عنها ، ترى كيف تبدوا؟ هل يناسبها ثوب الزفاف؟ هل يناسبها العريس؟ هل رأيتموها؟ متى ستظهر؟ لقد تأخرت ! .. أنا هنا وقلبي يدق دقا ، لم أعرف له هذا الدق منذ أن علمت أنه يدق ! أولم أكن أمس جبلا لا تزعزعه رياح؟ وها هي العروس تسير كالملاك بثوب أبيض ناصع، وتاج يبرق معدنه هناك أعلى نقطة في رأسها ، وها هو قلبي زاد في الدق ! عروستي هنا ؛ لا أكاد أصدق عيني ، حلم هذا أو علم ؟  كم أخشى من الإستيقاظ اﻵن ، لأجد الشمس تعلن انطلاق يوم جديد ، لتجدني عائدا إلى لجج اليأس أناجي الخيال في غمرة الليل البهيم ،  لا، أعوذ بالله من ذاك ، أنت في الواقع يا نفسي ، فدعنا نعيش لحظة العمر ونصونها في مأق العين حتى نعود إلى ذكراها يوما حين تشتد بنا أمواج القدر .
ثم تقدمت نحو العروس بخطوات ثقيلة ، لنخرج معا عند الضيوف ونحن نمسك في أيادي بعضنا .. البهو  مليئ بالناس ، الكل يفترسنا بأنظاره بينما نسير نحوى منصة العرسان . جلسنا . تناظرنا باسمين ، قبلت جبينها ، ثم وقفنا معا لتلقي التهاني،  في لحظة تساءلت من هؤلاء الناس؟ فانا لا أعرفهم ! لكنهم ينادني بإسم غريب ! هذا ليس اسمي يا ناس ! ماذا دهاكم؟  من هذا الأصلع الذي يباركني الزواج ويقول ولدي؟ إنه ليس أبي ! وهذه أيضا ليس أمي ! .. ربما الصدمة هي السبب ،نعم ، نعم لقد تأثرت بالزواج حتى نسيت عائلتي ؛ إنه الحرمان في أعظم تجلياته . لقد حان الوقت لكي أغادر بعروستي نحوى غرفة زواجنا ،  وبينما نسير بهدوء حذر فإذا بالمدعوين ينثرون علينا الورود ، أشكر لهم بابتسامة، كذلك عروستي تفعل . وفي لحظة سمعت صوتا أجش ينادي مستنكرا : "أين أنت ذاهب ؟" .. من يكون هذا؟ لربما أتوهم ، فتجاهلت هذا الأحمق ووصلت المسير نحو ختام ليلة العمر ، حتى عاد المنادي : "أين أنت ذاهب؟" .. ثم استدرت برأسي لتحري ماذا يحدث ، لأجد رجل ينظر إلي هناك بنظرة غاضبة ، ملامحه غريبة لا تناسب هذا الجو ؛ إن شعره مجعد يكاد يلامس أكتافه ، ويضع قبعة سوداء مخططة بالأحمر و نظارات دائرية حقيرة . فبدأت أجمع شتات ذهني حتى قطعني وهو يصرخ بتدمر :" أوققوا التصوير أوقفوا التصوير ! هل تظن أنك عريسا بحق؟ لقد تجاوزت الكاميرا أيها الممثل الفاشل، عد إلى هنا، إلى أين تجر السيدة؟  عد إلى هنا ! " .



بنصالح 2015