الصدى المخالف

قصة قصيرة

لقد جن جنون جنوني ، وأنا أنتظر وأنتظر، ولا يأتي سوى؟ سوى الليل يجر معه ذيوله الظلماء يائسا في حضرتي ؛ وفي جوفه البهيم أصرخ قائلا : أنا سأكون (...) ! . فيرد الصدى مخالفا قولي ، ثم أعف حتى عن الكلام . قبل أن ألوذ إلى قلمي وبه أحتج على هذا الصدى الذي يخالف أقوالي . أليس أوان - بعد - لزمننا من الإنصاف؟ إلى متى يعاكسنا حتى الصدى؟

ذات يوم رفعت رأسي ونظرت إلى البعيد ، و تراءى لي شيء من البهرج الزاهي ، فظننت ما ظننت وما كان في آخر المشوار سوى ظنون ! ثم صرفت وجهي إلى الخلف لأنظر إلى ذلك الإتجاه المزيف الذي سلكته متحمسا  ، لأجد نفسي قد ابتعدت كثيرا إلى حد تستحيل فيه العودة، فما كان مني سوى مواصلة المضي، تارة أبتسم ساخرا وتارة أخرى أجد نفسي مهيأ للانفجار.


***


هنا في غرفتي وتحديدا عند حبيبي حاسوبي ، الوحيد الذي يفهمني على وجه البسيطة ، فانطلقت أصابعي ترقص فوق لوحة المفاتيح، مخلفة معزوفة مألوفة تبشر بأن ملحنها ما عاد ترهبه الحروف..  حتى سمعت الباب يفتح ، وإذا بها أمي :

- ماذا هناك ؟

- إلى متى يا هذا الأحمق تحشر نفسك في هذه الزنزانة ؟ أقرانك تزوجوا بل ورزقوا بالأولاد ، وأنت ماذا؟ سوى مجالسة ذاك المشقوف (الحاسوب) والابتسام له . أي مجنون خرج من أحشائي؟

- سأكون كاتبا يا أماه

- بل ستكون معتوها بحول الله ، أنظر أخاك لا يحمل سوى الثانوية العامة ، لكنه يعمل بجد واخلاص؛ وأنت مدجج بالشواهد وتعلقها في هذه الزنزانة كجلود الأضاحي ، أين الفائدة من هذه الأوراق المؤطرة؟ إنها لقمامة وأدنى من ذلك حتى

أجبتها في سري : لقد نطقت الحق يا أمي ، إنها قمامة لمن لا يرضا إلا بالعلى مثلي ، فلا يعقل أن ينفجر رأسي شيبا من الدراسة وفي الأخير أرضا بالفتات

- ألن تقول شيئا ؟

- لا جواب شافي عندي يا أمي

- إذن اللعنة على تربية والدك

ومن بعيد أتى صوت والدي كأنه قادم من قاع بئر : إنها تربية أمه يا جاهلة !.

ها قد تحولت إلى كرة مضرب، يتقاذفها بعنف أبي و أمي ، لا ليس كرة صفراء ؛ إنها كرة جمر اندلعت فيها الشرارة  . حتى لا أظلم والداي، فإن الحقيقة تقول : بأني مشروعهما الذي خاب أو لم يكتمل بعد ، أو أبى ذلك بنظر كليهما . وها هو باب غرفتي يفتح من جديد !

- من ؟

- أبوك يا عاطل

- ماذا تريد يا أبا العاطل ؟

- ألن تشاركنا في أكل وجبة العشاء يا فرحة عمري، وابن بكري

- لا أريده، فعندي مقال يتوجب علي اكماله

- هل ما زلت تكتب عن الوحوش والعفاريت؟ يا ذاك كفاك من الإفتراءات على الناس ، من يراك بنظاراتك يظنك أستاذا في علوم الأحياء يحمل من النبوغ إلى ما فاض منه

- إنها ليست افتراءات يا أبي ؛ إنها أساطير الشعوب

- نعم !، أساطير الشعوب . لقد خيبت آمالي يا منحوس .. إلهي فلتدهسك دبابة أنت وخرافاتك

كذا وصفق وراءه الباب ! .. إلهي أنا أسألك صبر أيوب . كل هذا الجفاف سببه لي أخي الصغير الذي يعمل بجد وسيتزوج قريبا ، حتى غدا عبرة لمن يعتبر في أقطار العائلة ، بينما أخوه الكبير الذي نطح من السنين عددا ، ها هو هنا يركن إلى زاوية غرفته البائسة ويقابل حاسوبه ولا يرضا بأي عمل متوسط سوى ما يعادل سنين دراسته.

سمعتهما مازالا يتجادلان عني؛ حتى فوق مائدة الطعام يفعلان ! .. ثم سمعت أبي يقول : إن اللحية لا تحمل نظيرتها إلا باتجاه القبور .  هكذا إذن يا أبي، تطردني من المنزل بعبارات معلبة في البيان والبلاغة.. لكنك مخطئ يا أبتاه . نعم إنه مخطئ ، لأن في زمننا هذا، حتى اللحية ما عادت تحمل نظيرتها باتجاه القبور ، والدليل أنه كم من واحد فاضت روحه في قارعة الطربق ولم يلتفت إليه أحد، خوفا من أن تلبسه جريمة .. هكذا فلسفة أوطاننا ، إذا عثرت على الكنز، فهو في ملكية الدولة يا وسيم، فإياك ولمسه ، وإذا حظيت بـ مقتول ، فهو لك يا منحوس ، هيا أثبت غير ذلك .. لذا إن هذا المثل يا أبي، عفا عنه الزمن منذ أن كان جدي - رحمه الله - يغازل حسناوات قريته ويكتب لهن رسائل الغرام بالدواة (مداد تقليدي) .. لكن إذا كان الأمر يتوقف على اللحية يا أبي ؛ غدا سأحلقها وأعود طفلا لا هم ولا غم يعترف به ، طفل يحمل العصا ويراها رشاشا ويمشي مشية الجندي، سعيدا فخورا ظنا منه أنه يدافع على وطنه . فهل ستدافع علينا هذه الأوطان ونحن كبارا، كما دفعنا عليها في الخيال ونحن صغارا؟

لكني حقا تعبت وأنا أنظر إلى هذه الشواهد التي وصفتها أمي بـ جلود الأضاحي.. إن تساءلها في محله ، ما الفائدة منها طالما أنا جاثما تحتها أعاتب العالم وراء شاشة الحاسوب؟

***

تذكرت قول أحد أساتذتي : "إننا يا عماد ندرس من أجل أن نكون مثقفين واعيين وليس المراد وراء الدراسة هو العمل " . آنئذ قطعته قائلا : لا يا أستاذ ، إني أرى ما يخالف نظرتك . إننا ندرس من أجل الإحتجاج على كل مسكوت عنه كما يجب أن يكون الإحتجاج المعاصر . إن الثائر المثقف خير من ثائر جاهل يكسر زجاج السيارات ووجهات المطاعم ظنا منه أنه متمرد ! . فحرك الأستاذ رأسه إشارة منه بالموافقة.

إن التمرد عن وعي ليس وقاحة ولا الخروج عن الأعراف .  إنه أن يراك الآخرون - منك - قادرا على فعل أشياء هم أنفسهم تستعص عليهم فعلها ، وأن تطرق بدلا منهم الأبواب الخلفية . إن التمرد هو أن يكون في فشلك انتصار من يصطفون معك، وفي موتك حياتهم.

هذا ما أقوله - دائما - لنفسي أو أحاول اقناعها به ،  حتى وإذا يوما أظلمت في عز الشمس وتفرقعت المفاتيح في الأقفال، أعود لتلك الكلمات لعلي أجد فيها ما يشفع لي وأني حقا كنت على صواب.

***

الباب يفتح !

لم أعد أحتاج إلى هذا الباب ، فكوا وثاقه أحسن لكم ولي .

- من ؟

- أختك الصغيرة

أختي الصغيرة تبلغ من العمر ثمان سنوات . إنها تدرس في القسم الثاني ابتدائي

- ماذا هناك ؟

- أحتاج  مساعدتك  في اخراج بعض الدروس

- ليس اﻵن

- دائما تقول لي ليس اﻵن ! أنت لا فائدة منك حقا

- حسنا ، مئة وواحد ناقص مئة وواحد ، كم يساوي؟

- سهلة ، يساوي لا شيء

- وأيضا لاشيء عندي لكي أفيدك به

- أنت معتوه ولم تكذب أمي

- إليك عني وإلا..

- أمي.. !

كنت هذه الليلة سأنتهي من مقال مهم وأنشره في عدة موقع الكترونية  .. لكن أعتقد بأني سؤجل اتمام كتابة هذا المقال إلى يوم غد ، إني مرهق أحتاج إلى نوم مع أصحاب الكهف حتى تجد - لربما - الراحة سبيلها الضائع إلي.
قبل أن أرمي بنفسي إلى سريري العزيز فوجئت بمناداة أمي لي ، ترى ماذا تريد ؟ أولم أقل لهم بأني لا أريد أكل وجبة العشاء ؟ خرجت إلى البهو فوجدت رفقة عائلتي رجل غريب . وما إن سقطت أنظاره علي حتى بادر بسؤالي :

- أنت المدعو عماد شهير ؟

- نعم

- أنا رجل شرطة وهذه بطاقتي ، أنت مطلوب بالحضور إلى مركز الأمن !

قطعت أمي حديثه :

- ماذا فعل ولدي حتى صار مطلوبا عندكم ؟!

أجابها بهدوء :

- هناك سيعرف كل شي

خرجت رفقة رجل الشرطة وسط استغراب عائلتي ، لكني لست غبيا لكي لا أفقه السبب الذي قاد إلى توقيفي ، لكن مالم افهمه هو اختيار التوقيت؟  إنه آخر الليل يا ناس ، حتى لو قتلت "ﻟﻴﻨﻜﻮﻟﻦ" كنتم ستنتظرون حتى طلوع النهار . فماذا سوى حسرة على سريري  .. إنها ليست أول مرة في كل الأحول ، لكن بنسبة لعائلتي، هي أول مرة.

بعدما تم توقيفي وأنا أتهيأ لنوم؛ فكرت كم هي الحياة تافهة ؟ ما أتفهها حقا ؟ .. أجهز سريري لكي أفر إلى النوم وأنسى الدنيا ولو لساعات ، ثم ببساطة تنقلب الستة لتصبح تسعة : كذا انت موقوف ولم يعد لك الحق حتى بالنوم وكفى . في الأخير وجدت نفسي مطروحا هنا في دهليز ينيره ضوء خافت كأنه يتلاشى أو يغالبه النوم . إلى هنا غدوت مثل بضاعة فاسدة مرمية في القبو .. لقد رحل الشرطي الذي قادني إلى هذا المكان لأجد فيه أبناء وطني : وطني أهل القاع ؛ الذين ينظرون إليهم من الأعلى ، حيث السكارى  والسارقون والمتشردون جميعا هنا.. لا شك أن دورية الليل قد أنجزت عملها بأكمل وجه وجمعت من الوجوه ما فاض منه البؤس واليأس ، البعض يجره النوم بيقين فيميل رأسه يمنة ويسرة ، آخرون التمعت في عيونهم شرارة السكر وعدم الوعي . لكن ماذا بي أنا وماذا بـ هؤلاء ؟  إنه النيل من النفسية كما يدرس ، قبل التحقيق معي لا بدا أن يمروا بي مع هؤلاء وفي هذا الجحيم البارد في انتظار قدوم الغد . إنها تدمير النفس أولا قبل الإجهاز على الباقي في جلسة استنطاق . لكن، هيهات هيهات ، آتوا بما لديكم من وصفات، فلست غصنا يابسا ينكسر بسهولة.

في الصباح وجدت نفسي شبه نائم وسط مجموعة من الموقوفين تفوح منهم رائحة الليل ؛ كل واحد منهم صنع لنفسه سريرا مفترضا ، والغريب أن النوم طاب للبعض منهم كأنه في غرفة باذخة !. لا شك أن هذا بنسبة لأغلبهم رتابة اعتادوا عليها ، ثم بدأت الحركة تدب في المكان مع سطوع وهج الشمس أكثر فأكثر .. سمعت أحدهم ينادي باسمي :

- عماااد شهييير

- نعم ؟

- تعال معي

دخلت إلى مكتب به ضابط أعرفه سابقا :

- عماد شهير من جديد

- إنه كذلك

- آسف يا عماد لأنك قضيت ليلة أمس في هذا المكان ، لكن الأمر خارج عن يدي، صدقني

- لم أعد أفاجأ بشيء أيها الضابط

- طبعا تعرف سبب تواجدك هنا

- أعرف

- لست أنا من سيتكلف بك هذه المرة ؛ وأنصحك يا عماد نصيحة أخ لأخيه ، أترك عنك تلك الأفكار لكي تعيش بسلام

مكثت صامتا ولم أرد عليه ، فرأسي مشوش من جراء ليلة أمس .. ثم اتصل بأحدهم، الذي جاء على وجه السرعة

- خذه إلى السيد محسن

وعند وصولي عند صدع الباب ، التفت إلى الضابط قائلا : شكرا على النصيحة . فرد علي للتو واللحظة : أعرف أنك لن تأخذها مني ، لكنك حتما ستندم يا شهير.

من قسم الشرطة إلى مبنى لا يظهر عليه أنه تابع لأي جهة من الدولة ، نزلت من سيارة مدنية رفقة أمنيين بلباس مدني وصعدنا إلى الطابق الثاني ثم دخلنا إلى منزل أو ما يشبهه، تركوني أنتظر في الباحة جالسا على أريكة مريحة ليست من العادة تواجدها في مراكز أمن الدولة ، لا شك أن الرجل الذي سأقابله من صفوة القوم . الساعة تشير إلى الحادية عشر وقرابة النصف صباحا ، الشمس أخذت لها مكانا في السماء وملأت الأرض نورا ، ضجيج الحياة يأتي من الخارج مصحوبا بأنين الرياح ، الجوع يجعلني لا أفكر جيدا . وفي لحظة شرد فيها ذهني وأنا أنظر إلى لوحة معلقة في الحائط يظهر فيها غلام باسم، أفتح عيناي وأغلقهم مثل قط يحتضر ، حتى وجدت أمامي رجلا  يأمرني بمرافقته.. ثم ترجلت من على الأريكة أحمل معي أمعاء غزاها الجفاف، وتوجهنا إلى غرفة فيها مكتب فخم تحيطه خزائن من الملفات ، عند النافذة رجل ضخم الجثة ينظر إلى الخارج وهو يدخن بشراهة ، استدار نحوي وأمرني باسما بالجلوس وأشار برأسه إلى مرافقي بالمغادرة ، إنه ضخم حقا وتفوح منه رائحة زكية ترهب النفوس الضعيفة ، إنه عبق السلطة والجبروت . جلس الرجل على الكرسي الدوار ﻓﺄﻥّ الكرسي المسكين شاكيا ثقل هذه الدبابة البشرية . تذكرت دعوة أبي لي : "إلهي فلتدهسك دبابة أنت وخرافاتك" .. هل استجاب الله لدعوة أبي وأرسل هذه الدبابة لتدهسني؟.  تحسسني الرجل بنظراته ، مازلت لا أعرف ماذا يريدون مني تحديدا . أشعل سجارة أخرى ثم تكلم أخيرا :

-  عماد

- نعم

- لماذا أنت عنيد؟ إذا لم تسبب المشاكل أمام البرلمان ، تكتب وتحرض الشباب

- لم أحرض أحدا ، كل شيء واضح

ابتسمت الدبابة البشرية :

- وماذا تفسر منشوراتك على الصفحة التي تديرها في موقع "فيس بوك " ثم، من أين لك كل هؤلاء المتابعون؟، وماذا عن موقعك "قلم حر" ؟، وماذا عن المقالات التي تنشرها في مواقع أجنيية؟

كنت أبحث عن الجواب المناسب في دهاليز رأسي الثقيل من قلة النوم، وقبل أن أعثر على ما سأقوله ، استأنفت الدبابة مشوار الحديث معاتبا :

- تكتب مقالات وتحرض فيها الشباب على الوطن ! لقد غفرنا لك كثيرا.. هذه المرة سأنذرك قبل أن أتخذ في حقك أي اجراء ، أنت لست العاطل الوحيد في البلد

- هذه هي المشكلة أيها الرجل ، لست العاطل الوحيد !

- يمكنك الانصراف ، وإذا رأيتك مرة ثانية ، فلن يكن لقائنا هكذا .. فكر قبل أن تفكر بتسويد الأوراق وتكذب عن الدولة

استفزني بكلامه.. هل وصلت إلى الكذب بحق الدولة؟ .. وقفت مهيئا للمغادرة ، لكن لم أسر هيجان أفكاري في نفسي ، الجوع أيضا كان عنيدا ودفعني لأرد على هذه الدبابة بعنف :

- أرجو أن تسحب قولك الأخير عن الكذب بحق الدولة ، وأؤكد لك أني لن أصمت عن الحق ، بعد كل هذه السنين من الدراسة ؛ أفضل الموت جائعا ثائرا في غياهب و أقبية السجون، على أن أبيع صدريات النساء في الأسواق مستسلما

- عليك أن تتوب إلينا يا عماد

- إنما التوبة لله، أيها السيد

- يمكنك الرحيل اﻵن ، وأذكرك أنه ليس في مصلحتك أن تراني مرة أخرى

غادرت إلى حال سبيلي وأنا أحاور خيالاتي : من هذه الدبابة؟ لا شك أن يداه طويلة ، لا ، بل طويلة جدا.

جالسا في مقهى أفكر في أمري ، أركن إلى أحوالي وحيدا ، لا سلاح لي سوى قلمي ، ذاك القلم الذي أراه بعين حبيب ، وبعين أخرى يخيل لي أنه حبل مشنقة سيلتف يوما حول رقبتي ويعصر في الحياة إلى آخر قطرة منها . تهديدات الدبابة البشرية تغزوا تفكري ، هو صادق كل الصدق ، هذا لا ريب فيه ، إنما لا مرد لي من قناعاتي وكل أفكاري . إنه وطني الذي لن أتنكر لعشرته القديمة، ولو جار علي يبقى عزيز، أنتقده بل وأنسفه من الغيرة عليه ، إنما لن أرضا أن أرى غريبا يأتي فعلتي.
فيا أيتها الدبابة البشرية ؛ إن ذلكم من هذيانكم المريض ؛ فإني سأظل أرى نفسي في كل بائس مسحوق مسلوب الحق، أصرخ بدلا منه وأبحث له عن الحياة .

لا شك أني أضحيت في دائرة الضوء من لدن السلطات ، لم يعد ما أكتبه خربشات ، لقد تجاوزت ذلك إلى حد أن يهتم لتلك المخطوطات أولئك الدبابات البشرية وعبق السلطة والسطوة ، فهل يحق لي الفخر اﻵن؟ أم يلزمني الارتياب من كلام الدبابة الذي أعطى قرارا لا يقبل النقض، بأن ظلمة آتية لا ريب فيها ؛ ظلمة لتكفير عن ذنوب قلمي البريئ.

إنه النادل :

- ماذا بك يا عماد شاحب الوجه؟

- لا ، لاشيء . فقط لم أنم جيدا ليلة الأمس

- لا شك أنك كنت في عرس باذخ

- بلى ، لكن ليس باذخا باذخا . إنما البذخ والإسراف في الكرم قادم لا محالة

- ماذا تشرب

- قـ(...)

أرتشف قهوتي وأنظر إلى الفراغ اﻵتي.. آه يا دنياي ، مني أنا ومن كل أحلامي وطموحاتي ، من ذاك البائس المتسول هناك ، من هذا الجالس قربي الذي لا أعرف أحواله ، من تلك العارية السيقان القادمة باتجاهي ، من هذا الطفل الغرير الباسم لكل الناس ، من هذا الصوت الملتاع الذي ينادي داعيا المسلمين لصلاة؛ الله أكبر كبيرا.




لقد جن جنون جنوني ، وأنا أنتظر وأنتظر، ولا يأتي سوى؟ سوى الليل يجر معه ذيوله الظلماء يائسا في حضرتي ؛ وفي جوفه البهيم أصرخ قائلا : أنا سأكون (...) ! . فيرد الصدى مخالفا قولي ، ثم أعف حتى عن الكلام . قبل أن ألوذ إلى قلمي وبه أحتج على هذا الصدى الذي يخالف أقوالي . أليس أوان - بعد - لزمننا من الإنصاف؟ إلا متى يعاكسنا حتى الصدى؟
ذات يوم رفعت رأسي ونظرت إلى البعيد ، و تراءى لي شيء من البهرج الزاهي ، فظننت ما ظننت وما كان في آخر المشوار سوى ظنون ! ثم صرفت وجهي إلى الخلف لأنظر إلى ذلك الإتجاه المزيف الذي سلكته متحمسا  ، لأجد نفسي قد ابتعدت كثيرا إلى حد تستحيل فيه العودة، فما كان مني سوى مواصلة المضي، تارة أبتسم ساخرا وتارة أخرى أجد نفسي مهيأ للانفجار.








اقتباسات

" إن التمرد، هو أن يكون في فشلك انتصار من يصطفون معك، وفي موتك حياتهم "

"في زمننا هذا، حتى اللحية ما عادت تحمل نظيرتها باتجاه القبور؛ والدليل أنه كم من واحد فاضت روحه في قارعة الطريق ولم يلتفت إليه أحد، خوفا من أن تلبسه جريمة"



محمد 

تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. ياسين الرامي9 مارس 2019 في 2:39 م

    السلام عليم

    قصة جديدة مع أسلوب ناضج في الكتابة مثل هذا الأسلوب يجعل القارئ لا يمل لأن فيه وصف يروق القراء مثلا هذا التشبيه الروعة (أفتح عيناي وأغلقهم مثل قط يحتضر) موضوع يمتاز بالتشويق وكشف المستور مثلا القارئ لم يكن يعلم ما هي تهمة عماد حتى اخر لحظة كانت هذه أقوى نقطة في القصة لكنك نجوت من غضبي يا محمد ههههه لأني كنت سأتتقد القصة لأن فيها ارشاد وبأنك تحاول فرض آرائك على القارئ عندنا بدأت تتحدث على التمرد وحوار عماد مع الأستاذ لكنك كتت ذكيا حقا لأنك ختمت كل ذلك بأنه مجرد أفكار يحاول البطل اقناع نفسه بها وهنا عرفت كيف ترمي الكرة للقارئ دون ارشاد لكن أجمل ما أعجبني في القصة هي النهاية قشعريرة فعلا الله أكبر كبيرا فوق كل دبابة بشرية وهذا الوصف أيضا فيه أبعاد كثيرا لقد استمتعت بهذه القصة أخي محمد وفي رأيي هي من أفضل ما قرأت لك
    واعذرني لم أقرأ بعد مقالك عن بن بركة وطبعا سأعطي رأيي في هذه القضية المثيرة

    دمت بخير صديقي وبانتظار المزيد من الابداعات

    ردحذف
  3. أهلا بأخي العزبز ياسين

    أشكرك على وقتك يا هذا السيد ، ويسعدني أن القصة نالت رضاك . لا طبعا لن أقع في فخ الموعظة ، نم قرير العين ^^
    عموما أنتظر رأيك في قضية المهدي بن بركة . وإن شاء الله أبقى عند حسن ظنك يا رامي

    حياك الله

    ردحذف
  4. ﺃﻫﻼ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ ﻣﻴﺴﻮﻥ .

    ﺃﻋﺘﺬﺭ ﻣﻨﻚ ﻓﻘﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺈﺯﺍﻟﺔ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺗﻌﻠﻴﻘﻚ ﻭﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻷﺳﻒ ، ﻷﻧﻚ ﺃﺳﺮﻓﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺰﺍﺡ ﻳﺎ ﺃﺧﺘﻲ ﻭﺑﻬﺬﺍ قد يرى البعض في تعليقك أنه لا يجوز .. ﺃﻧﺎ ﺃﻋﺘﺬﺭ ﺣﻘﺎ ، ﻭﺃﺗﻤﻨﻰ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﻭﺩ ﺑﺘﻌﻠﻴﻖ ﺁﺧﺮ ﻭﻣﺮﺣﺒﺎ ﺑﻚ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻭﺗﺘﻲ

    ردحذف
  5. السلام عليكم ..
    ازول فلاك اخي محمد , كيراك داير ؟ ان شاء الله لاباس
    لقد قرأتها و أرغب بقراءتها ثانية قبل ترك تعليق , بصراحة - لفتني موضوعها :)
    حياك الله ...
    بربروس

    ردحذف
  6. وعليكم السلام - أزول فلام..

    أنا بخير ولله الحمد وأرجو أن تكون كذلك أختي العزيزة.

    إذن أنا بانتظار انطباعاتك حول القصة يا بربروس^^

    ردحذف
  7. قصة رائعة و لكن النهاية مفتوحة ، كنت أتمنى أن تكون نهاية سعيدة او حزينة

    ردحذف
  8. حسين سالم عبشل12 أبريل 2019 في 4:57 م

    قصة رائعة و لكن النهاية مفتوحة ، كنت أتمنى أن تكون نهاية سعيدة او حزينة

    ردحذف
  9. أهلا بك أخي العزيز حسين

    أتمنى أن تكون قد استمتعت بالقصة.. أتفق معك في أن النهاية مفتوحة.. لكني حاولت اعطاء القارئ الإنطباعات داخل القصة وليس النهاية.. عموما رأيك يهمني أخي وأشكرك عليه وأتمنى أن يعجبك القادم.. ومرحبا بك في مدونتي.

    ردحذف
  10. سالم عبشل أنت هنا ؟ هههههههههههههههههه لم اتوقع ان اراك هنا ههههههه كانت مفاجأة هههههه

    محمد بن صالح
    محيتلي تعليقي ؟ صحا صحا :(
    ياو نزيد نهدر معاك أهئ أهئ أهئ
    وداعا :(
    هذا آخر يوم نجي فيه لمدونتك

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -