سجن قارا .. جحيم تحت مكناس !


مكناس ، مدينة الهدوء والوجه الحسن. إلا أن في مقالنا هذا لن  نطرق أبواب جمال مكناس ، بل سننحدر نحو أسفلها لنكتشف الوجه اﻵخر للمدينة الاسماعيلية. فماذا يوجد في قعر مكناس؟ إنه سجن يبث الرعب في النفوس..

لقد تفنن البشر وأبدع منذ وجوده في صناعة آلات التعذيب وأقبية مريبة ولم يدخر جهدا في ابتكار ما يصلى أبناء جلدته عذابا وتدمير معنوياتهم.. وأبناء بلدي - كذلك - أبدعت أناملهم وتفننت ليصنعوا لنا سجنا فتاكا غارقا تحت الأرض يدعى سجن قارا..


المولى اسماعيل سلطان المغرب ما بين عامي 1672 و 1727 م. السلطان الذي اتخذ مدينة مكناس عاصمة للمغرب ابان فترة سلطانه . في ذات المدينة - أو أسفلها - قام بتشييد سجن يمتد تحت باطن اﻷرض، إلى مد غير معروف يدعى "قارا". السجن عبارة عن قاعات ضخمة تنطلق منها ممرات معقدة ودهاليز معتمة ومنعرجات ومتاهات شتة تمر فوق الزنازن، حيث يتم ادخال السجين من فوهة تخترق الممر وتنتهي إلى زنزانة منفردة لا باب لها ولا نافذة. حتى اﻵن مازال الشكل الهندسي لسجن غامضا؛ فالبعض يعتقد بأن السجن يحتوي طوابق أرضية، آخرون يؤكدون بأن السجن يمتد لمساحة شاسعة تتجاوز مساحة مدينة مكناس نفسها .. السجن تم إنشاؤه لكي يرمى فيه الأسرى من جيوش الأعداء أو المعارضين لحكم السلطان. حاليا صار السجن معلمة تاريخية - سياحية في قصبة المولى اسماعيل، وكذلك ارتبط بمعتقدات، ونسجت حوله الكثير الكثير من الإشاعات المرعبة التي أدت إلى ذيع صيت "سجن قارا" ليغدوا من الأماكن المفضلة لمحبين الغموض والإستكشاف في المغرب. ويكتفي أغلب الزوار باكتشاف المناطق التي تم اصلاحها وتهيئتها من طرف الدولة لتصير لوحة فنية قادمة من عبق التاريخ.

أصل التسمية



يعود أصل اسم "قارا" بحسب بعض الروايات إلى أنه كان هناك حارس شهير أقرع (لا شعر له) يحرس السجن أثناء استقباله ضيوفه البائسين في عهد المولى اسماعيل، وبذلك تم تحريف لقب "الأقرع" إلى "قارا" وارتبط هذا اللقب بالسجن حتى اﻵن . رواية أخرى تقول بأن أصل التسمية تعود إلى أسير برتغالي يدعى "قارا" قضى بضعة سنين أسيرا هناك.

معتقدات حول سجن قارا


"الداخل إليه مفقود، والخارج مولود" .. هذه العبارة لازمت سجن قارة طويلا وما زالت.. الأسطورة تقول، بأن أي شخص دخل إلى سجن قارا وتوغل فيه، فسيضيع في الدهاليز والمتاهات حتما، واحتمال خروجه من جديد يعد بمثابة معجزة؛ فقد ابتلع السجن مئات الأشخاص منذ إنشائه..

هو السجن الوحيد في العالم إن لم نقل في التاريخ لا يحتوي على الأبواب. فكيف إذن يضمن السجانون عدم فرار المساجين؟ كما أسلفنا فالسجن عبارة عن متاهات لا تتنهي؛ على الأرجح سيضيع فيها السجين حتى لو نجح في تجاوز الحراس،  ويقال بأن سلطان المغرب المولى اسماعيل، وضع لسجن باب مخرج  واحد في مكان مجهول؛ ومنه الإنعتاق من أحشاء سجن "قارا"، ولا أحد حتى الآن اكتشف ذاك الباب..

في الثمانينات أمر الملك الحسن الثاني فريق استكشاف من اسبانيا بـ سبر أغوار سجن قارا وكشف حقيقة كل ما يشاع حوله. دخل الفريق المستكشف السجن وتوغلوا في ردهاته، ثم لم يخرجوا بعد ذلك..  فريق آخر من المستكشفين من فرنسا واجه نفس المصير في منتصف التسعينات..

"السجن مسكون بالجن أو أرواح الذين ماتوا فيه موتة بشعة حين يغيب بصيص ضياء يعلن عن استمرار الحياة، طيلة ثلاث قرون. وويل لمن تجرأ وتوغل في أحشاء قارا".. أغلب السياح انصاع إلى هذا المعتقد ولم يتجاوز القاعات الأولى من السجن خوفا من مصير مشؤوم بين متاهات معتمة، وباب مخرج مفقود أو غير موجود..

الحقيقة

على الأرجح ليس كل ما يشاع حول سجن قارا حقيقة، نعم السجن غارق تحت الأرض، إلا أنه لا يبتلع كل من دخل إليه، وكذلك تم تلفيق حوادث اختفاء كثيرة (شخصيا زرت السجن - ولم أتوغل فيه - واكتشفت من بعض الأشخاص أن كل ما يشاع حوله ما هو إلا لتشهير به) كل هذا لعب دورا في صالح السجن الذي ذاع صيته وجذب إليه السياح ومحبين الغموض ..  بالمقابل ما زال البعض يصر على أن "قارا" ليس مجرد سجن عادي أو معلمة تاريخية، بل يتجاوز ذلك إلى خندق تحت الأرض يكسوه الغموض ولقي فيه أشخاص كثر حتفهم.

في كل الأحوال؛ من يريد الحقيقة الكاملة فليتوجه نحو مدينة مكناس، ثم إلى قصبة المولى اسماعيل حيث سجن قارا، ويدخل إليه سهلا وأهلا وينطلق في المتاهات، حينها ستكون الحقيقة المطلقة ماثلة أمام عينيه.

تعليقات

  1. عبد الرزاق ايدر19 مارس 2019 في 6:15 م

    دائما تفاجئني أخي بمواضع رائعة عن المغرب سمعت عن هذا السجن الغامض سابقا وأتفق معك حول ما يشاع حول فحولة المولى اسماعيل هي مجرد اشاعة للمس به وأن المسلمين لا يهمهم سوى الجنس هذا كان هدفهم لأن تاريخ السلطان مشرف مع أعدائه الذين لم يجدوا سوى مواجهته بالأكاذيب
    وأقول لك شيئ يا محمد من حقنا أن نفخر بأننا ننتمي لهذا البلد العريق

    شكرا لك يا كاتبنا على هذه الطرافة والبلاغة في تناول المواضيع أنت فريد من نوعه يا صديقي

    ردحذف
  2. ﺃﻫﻼ ﺑﻚ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ
    ﻭﺳﺎﻇﻞ ﺑﺤﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻓﺎﺟﺌﻚ ^^ .. ﻧﻌﻢ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻫﺬﺍ ﻣﺮﺍﺩﻫﻢ ﻫﻮ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺳﻤﻌﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻹﺷﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮﺓ ﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ..

    ﻃﺒﻌﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﺨﺮ ﺑﻤﻐﺮﺑﻨﺎ، ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺠﺮ ﺧﻠﻔﻨﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﺎﻓﻞ . ﻟﺴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻷﻣﺲ؛ ﻧﺤﻦ ﺃﻣﺔ ﻋﺒﺮﺕ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﻦ ﺧﻠﻔﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺁﺛﺎﺭﻧﺎ .. ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﺎ، ﺑﺒﻴﺎﺿﻪ ﻭﻛﺬﺍ ﺳﻮﺍﺩﻩ، وإﻟﻰ ﺍﻵﻥ ﻟﻢ ﺃﻛﺘﺐ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻭﻣﺎ ﺧﻔﻲ - ﺃﻭ ﺑﻘﻲ - ﺃﻋﻈﻢ .!

    ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﺃﺧﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

بوتفوناست (صاحب البقرة)

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -