قصر الباهية .. صرح شيّده الهُيام



لطالما سمعنا عن قصص العشق التي خلدها أصحابها بصروح تظل شاهدة على غرامهم، حتى بعد وفاتهم بسنوات طويلة. في مدينة مراكش، توجد إحدى قصص العشق المخلدة، تحديدًا في رحاب قصر الباهية.

قصر الباهية

أحمد ابن موسى، الملقب "بَاحماد" أحد أقوى رجالات المغرب في القرن التاسع عشر، ووزير الدولة في عهد السلطان الحسن الأول، وابنه السلطان المولى عبد العزيز.. وقد كان وصيًا على العرش بعد وفاة الحسن الأول، وترك ولي العهد دون سن الرشد التي تسمح له بنيل السدة.

وُلد أحمد ابن موسى، الملقب بَاحماد، عام 1841، من عائلة مقربة من دوائر المخزن، (الطبقة الحاكمة) فوالده موسى ابن أحمد السملالي من كبار خدام الدولة في عهد محمد الرابع.. سيكون أحمد ابن موسى، اليد اليمنى للسلطان الحسن الأول، حتى وفاته، ثم وصيًا على عرش نجله المولى عبد العزيز،  بانتظار بلوغه السن القانوني للحكم.

ذات يوم كان الشاب أحمد يتجول في نوحي قبائل الرحامنة، القريبة من مدينة مراكش، وستسقط أبصاره على فتاة جميلة، بدت له كأنها تحصر عندها كل حُسن الوجود، فأحبها أحمد في أول نظرة وسكنت فؤاده، وعاد إلى مدينة فاس وقد جلب معه العشق وشعور لم يزره يومًا.. وفي النهاية تُوّج عشقه بالزواج منها، وتُدعى باهية، جميلة تخشع لها الأبصار، والفطنة على جمالها يكمل قمر باهية، زوجة أحمد ابن موسى، الذي سيصير لاحقًا، وزير الدولة، ثم أهم رجل في المغرب بعد وفاة السلطان الحسن الأول، وهو حامي العرش ومُسير الدولة. عشق باهية لم تخمده تعاقب السنين، ولا وعظمة المهام؛ بل ازداد الفؤاد تعلقًا بالباهية، حتى قرر الوزير أن يُخلد حب حبيبته الباهية إلى الأبد، فأمر بأن يُبنى قصرًا فخمًا ليس كمثله شيء في المغرب، في ذلك العصر، تحديدًا قرب مسقط رأس زوجته، في مدينة مراكش، ليجلب أمهر الحرفيين في البلد، لتنفجر أناملهم زخرفةً وابداعًا في تشيّيد قصر سيحمل اسم الباهية، ليشهد على أحمد بن موسى، بقية أيام الدنيا، أنه تالله يكن لباهية حبًا جمًّا.. وقد استمر بناء القصر ست سنوات، إنما وقبل افتتاح القصر؛ سينتقل الوزير بَاحماد إلى جوار ربه، ويرحل عام 1900، في عمر تسع وخمسين عامًا، دون أن يشهد على اكتمال صرح حبيبه.


سيفتتح القصر بعد موت "بَاحماد" بالقليل، وسيحمل اسم زوجته، الباهية.. وبعد مرور أزيد من نصف قرن، وفي عهد الملك الحسن الثاني، سيُجعل من قصر الباهية مركزًا ثقافيًا، وفيما بعد سيغدو إحدى المزارات السياحية في مدينة مراكش، ويمكن اكتشافه بدفع مبلغ رمزي، يُقدر بدولار واحد، بينما الدخول إليه يوم الحمعة، يكون مجانًا.. هذا وقد  تم تشيّيد قصر الباهية أواخر القرن التاسع عشر، وافتُتح رسميًا في بداية القرن العشرين على مساحة تُقدر باثنان وعشرين هكتارًا، على الطراز المغربي التقليدي، حيث أسقف الغرف يُزينها الخشب المطرز والجبس المنحوت بدقة عالية، كما تظهر أبيات شعرية في الجدران المحاذية للسقف، وفي ردهات القصر، تنتصب الأعمدة المزخرفة بفن الزليج المغربي الأصيل، كما أُعتمد في بنائه الهندسة التقليدية، أو ما يُعرف "بالرياض" وهي شاكلة المنازل المغربية الفخمة قديمًا، حيث الغرف تُطل على فناء يحتوي ورودًا أو أشجار، إضافة للحوض المائي.


في وسط القصر تمتد ساحة شاسعة مفروشة بالرخام المنقوش الملون، وتتوسطها نافورة مياه، كما يضم قصر الباهية، مسجد، واسطبل، بالإضافة إلى قاعات أخرى وأجنحة.

غلاف فيلم كازابلانكا

في عام 1942 سيتم تصوير مشاهد عديدة من الفليم الأمريكي "كازابلانكا" في قصر الباهية.. ليترك قصر الباهية بصمته في السينما العالمية، في الفيلم الشهير الحائز على ثلاث جوائز الأوسكار.. قبل أن يتحول اليوم إلى تحفة معمارية، يزوها كل من يمر على مراكش، لتشهد على تطور المعمار المغربي في القرن التاسع عشر، كما يسرد على زواره، سبب وجوده، ألا وهي قصة باهية الباهية، التي من أجلها سُميّ هذا الصرح، الباهية، وجمع الحب والبهاء.


تعليقات

  1. جميل جدا قصص الحب المخلدة في القصور والمباني الجميلة تجعلنا نتاكد بانه يوجد حب حققي وبالمناسبة هناك قصة مشابهة ايضا في المغرب في قصر بريديكاريس اتنمنى ان تكتب عنه

    ردحذف
  2. نعم قصر بريديكاريس قصة أخرى تدور في فلك العشق المخلد بالصروح.. وهو موجود في مدينة طنجة وبناه مواطن أمريكي عربون حب لزوجته في القرن التاسع عشر على ما أتذكره.. ربما أكتب عنه.

    شكرا على المشاركة معنا.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

بوتفوناست (صاحب البقرة)

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

تازمامارت .. أحياء في قبور !

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي