طائفة الموريش .. ما حقيقة مغاربة أمريكا ؟



طائفة الموريش، أسمعت بها؟ الأرجح كلا، فهي إحدى الطوائف البعيدة عن قارتنا، هناك في أمريكا التي تعج بالطوائف والأعراق.. في الحقيقة إن طائفة الموريش وإن هي بعيدة عنا جغرافيًا؛ لكنها أقرب إلينا مما لا يخطر على البال.. حتى أنها تكاد تكون نحنُ، ونكون نحن؛ هي!

طائفة أمريكية تُطلق على نفسها، الموريش، وهذا الاسم مشتق من "المورو" الذي أُطلق على سكان شمال أفريقيا قديما.. وفي مصدر آخر، أن اسم "الموريش" آتٍ من مدينة مراكش، إحدى العواصم التاريخية للمغرب.. وفريق آخر يظن أن "الموريش" مستوحاة من الموريسكيون (سكان الأندلس المسلمون بعد سقوطها)، وكذلك يُسّموْنا أنفسهم بمغاربة أمريكا، وهنا لا يُقصد منه الجالية المغربية المقيمة بأمريكا، ولا حتى ذو الجنسيات المزدوجة؛ بل هي طائفة لها عاداتها ومعتقداتها، ويبلغ عدد أفرادها أكثر من ثمانين ألف.. العجيب في هذه الطائفة الأمريكية، أنّ أفرادها ينسبون أصولهم إلى المملكة المغربية، ومن تقاليد لبسهم، يضع الرجال فوق رؤوسهم الطربوش المغربي الأحمر المعروف، ويطلقون عليه "الفاس" نسبًا إلى مدينة فاس، وتضع النساء على رؤوسهن عمامة حمراء، ويرتدين لباسًا محتشمًا.. أما عن دينهم، فهو خليط بين المسيحية والإسلام، ولهم كتاب مقدس أسموْهُ "قرآن دائرة 7" إلا أنه ليس القرآن الذي نعرفه، ففي هذا الكتاب مزيج بين تعاليم الإسلام والمسيحية، وأركان دينهم مبنية على خمس: الحب، الحقيقة، السلام، الحرية، العدالة. هذه الطائفة الأمريكية تتخذ من العلم المغربي، علمًا لها، على أن طائفة الموريش مغاربة بحق وحقيقة، ويتشرفون بالنسب لهذا البلد الإفريقي العريق.

ماذا نفعل هنا ؟!


تأسست طائفة الموريش عام 1913، من طرف رجل يدعى نوبل درو علي، وهو أمريكي من أصل إفريقي مغربي، من مواليد 1886، عمل في السرك لسنوات طويلة، حتى ذات صباح سيستيقظ ويدعي أنه نبي الله! هذا بعد رجوعه من زيارة لدولة مصر، كان فيها في جولة لتقديم عروض سيرك، حيث ادعى أن وحيًا نزل عليه هناك، وعاد لأمريكا وبدأ يُنبش في أصوله، ليلقى أن أجداده المغاربة هم السكان الأصليون لأمريكا، وقد قدموا إليها من المغرب والأندلس قبل الأوروبيين.. وفي حفل كبير أقيم في مدينة نيويورك، سينجح نوبل درو في إخراج طائفة جديدة إلى الوجود، أُطلق عليها "مغاربة أمريكا" ومعتقهم الأساسي من الوجود، هو تيّقنهم على أنهم السكان الأصليين لأمريكا، ووضع نوبل درو علي كتابًا مقدسا لطائفته، ونصب نفسه نبيًا عليها.

مؤسس طائفة الموريش نوبل درو علي

انظم عدد كبير من الأمريكيين ذو البشرة السمراء إلى طائفة مغاربة أمريكا، منهم من يبحث عن جذور أجداده، والشرط الأساسي للانضمام للطائفة، هي أن تكون لك أصول مغربية، ولو من جدّ جدك، ثم تتبع ملتهم.

لم يطل مقامهم في مدينة نيويورك، بسبب دخولهم في صراعات مع السلطات بسبب ادعاءاتهم الدينية والعرقية، ليرحلوا إلى مدينة شيكاغو، التي ستصير في المستقبل، مدينة الموريش المقدسة.. في عام 1928، ستكون طائفة الموريش قد بلغ عدد أفرادها ثلاثين ألفًا، غالبيتهم ذوي السحنة السمراء، وسيشكلون عنوانًا للتمرد في وجه الدولة، فقد رفضوا المشاركة في الحرب العالمية الثانية، واتهموا بالتواطؤ مع اليابانيين.. ورغم علاقتهم المتوترة مع الدولة، لكن يلقونا أمامهم مساحة للحرية في محافلهم السنوية، وكذا في معابدهم التي يبلغ عددها أزيد من تسعين معبدًا موزعين على أرجاء الولايات المتحدة.

الموريش في نظرة المغاربة

غالبية المغاربة لم يسمعوا بهذه الطائفة حتى عام 2020، أي بعد أزيد من قرن من تأسيسها.. تحديدًا في مظاهرات شعبية اندلعت في أمريكا صيف 2020 بسبب مقتل مواطن أمريكي من أصل إفريقي يدعى جورج فلويد، على يد رجل شرطة.. في تلك المظاهرات الشعبية، سيظهر أشخاص ذو بشرة سمراء يحملون الأعلام المغربية.


صور الأعلام المغربية في مظاهرات أمريكا، ستشعل مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، ووجدها الإعلام المغربي والعربي مادة دسمة لاشباع فضول الملايين، وهنا سيتعرف الناس على طائفة الموريش وسر ارتفاع الأعلام المغربية في مظاهرات أمريكا.

أين الدولة المغربية من طائفة الموريش؟

هي سابقة تاريخية، أن تلقى طائفة أو جماعة في بلد ما، تحمل علم بلد آخر.. هكذا هم الموريش، الذين لم يكتفوا بانتساب أنفسهم للمغرب، بل تجاوزوه إلى اتخاذ علم المغرب رمزا لهم.. وهنا أسئلة تطرح نفسها: ما رأي الدولة المغربية في طائفة الموريش؟ هل تعترف بهم؟ هل هم تحت رعاية السفارة المغربية في أمريكا؟

في الحقيقة لم تهتم الدولة المغربية لهم، وفي نفس الوقت لم تعترف بهم، ولا ترخص لهم السفارة المغربية في تجمعاتهم، وإن كانت أبواب المغرب مفتوحة أمامهم، وعدد منهم يحمل الجنسية المغرببة، دون وجود أي معبد لهم في المملكة، فعلى الأرجح لن يسمح لهم المغرب لإنشاء معبدٍ كمعابدهم في أمريكا، فلهم دين هجين.. وهكذا ظلت طائفة الموريش لا تلقى الاعتراف المغربي، عكس تجمعات مغربية أخرى في الخارج.

حقيقة الموريش

ادعاء الموريش "بتّمغريبِّيت" يثير الحيرة والشك في نفوس البعض، ويتعلق الأمر بانتشار سرديات ليس لها خلفيات تاريخية.. وهنا سنتبعد عن الشائع حول طائفة الموريش في مقالات ومقاطع أتت من النسخ واللصق، لنطرق أبواب التاريخ ونميط اللثام عن حقيقة الموريش.. بداية بأسير مغربي شهير كان في أمريكا اسمه مصطفى الزموري، ويُعرف في المصادر الأجنبية باسم "استيفانيكو".. مصطفى سيكون في سفينة على متنها إسبانيون ذهبوا لاكتشاف قارة أمريكا أو للاستيلاء على كنوزها الشائعة عن تلك القارة عام 1527، وقيل أنّ عددهم ما بين ثلاثمائة و ستمائة شخص، وهنا سيدعي مصطفى الزموري بأنه مسيحي حتى يسمح له بمرافقة هؤلاء الإسبان، وقبل الوصول إلى سواحل قارة أمريكا، ستتغلب تلاطم الأمواج على السفينة ويغرق معظم ركابها، والناجين منهم تاهوا في قارة أمريكا لسنوات عديدة، منهم مصطفى الزموري، الذي سيجد نفسه في الأخير في عِشرة مع الهنود الحمر، وقد انتشرت العديد من القصص عن مصطفى الزموري ومكوثه مع سكان أمريكا الأصليين، منها رده عن الإسلام واعتناق المسيحية.. وفي الأخير سيظن الكثيرين أن مغاربة أمريكا هم أحفاد مصطفى الزموري. إلا أننا ما زلنا نحوم في فلك الحيرة والريبة، فيما يخص من أين جاء مغاربة أمريكا؟ الذي ادعى الكثيرين كون أجداده منهم.

معادهة الصداقة بين المغرب وأمريكا وُقعت عام 1787

تعود قضية المنتسبين للمغرب في أمريكا، إلى فجر استقلال الولايات المتحدة عام 1777، حيث ستعترف المملكة المغربية وسلطانها محمد الثالث باستقلال أمريكا في نفس العام، وبذلك تكون المغرب أول من يعترف باستقلال أمريكا في العالم، وسيتم توقيع معاهدة الصداقة المغربية الأمريكية في عام 1787، وهي ما تزال سارية  إلى يومنا هذا ويتم الاحتفال سنويًا بذكراها بين البلدين، وفي بنودها نجد أن المغرب سيسمح للسفن الأمريكية بالمرور على الموانئ المغربية، وبند آخر تتعهد فيها أمريكا بحصول رعايا السلطان على أراضيها بكامل حقوقهم على غرار بقية المواطنين الأمريكيين، وعدم اعتبارهم عبيدًا كما يجري في ذلك الزمان مع كل من يحمل البشر السمراء والقادمين من افريقيا، في عز براثن العبودية. رعايا السلطان هم مغاربة من ذوي البشرة السمراء، وتعود أصولهم إلى الصحراء الكبرى، وقد كانوا ضمن من جاؤوا إلى أمريكا قادمين إليها من الأندلس بعد سقوطها بداية من عام 1500، حيث بلدهم الأصلي المغرب كان يعيش الشتات في أسوأ عصوره، في عهد الوطسيين، ثم جاؤوا كذلك عبر فترات مختلفة من التاريخ مع الأفارقة، وتم بيعهم عبيدًا في قارة أمريكا.

هكذا نال رعايا السلطان حقوقهم، وما عادوا عبيدًا رغم بشرتهم السمراء، لكن وبعد مرور السنوات، سيتم خطف عدد كبير من الأمريكيين أصحاب السحنة السمراء من طرف البرتغاليين، ضمنهم رعايا السلطان، وتم بيعهم في ولاية كارولينا الجنوبية، ما جعل رعايا السلطان الذين أطلقوا على أنفسهم مغاربة أمريكا، يحتجون على وضعهم الجديد، وقدموا طلبًا لبرلمان أمريكا من أجل تحريرهم من العبودية، مع تذكير البرلمان بالمعاهدة التي وقعتها أمريكا مع المغرب، التي تنص على معاملتهم كمواطنين أمريكيين، وهكذا تم تحريرهم من العبودية استنادًا إلى ما تعهدت به أمريكا سلفا.. ومع توالي السنين، سيزداد عدد السود الذين ينسبون أنفسهم إلى مغاربة أمريكا قصد تحريرهم من العبودية، فهو السبيل الوحيد للانعتاق.

تلك هي حكاية مغاربة أمريكا.. أما عن الموريش، فلا نقول بأنهم سرقوا هذا الاسم، لكن زعموا أنهم ينتسبون إلى مغاربة أمريكا، والله أعلم عما يدعون.


تعليقات

  1. سمعت عن هذه الطائفة لكن لم أعرها الاهتمام وهذه أول مرة أتعرف عنهم عن قرب واستغربت كثيرا لمعتقداتهم !!! ويتخذون من لاعب السرك نبيا ؟؟؟ المغاربة مسلمين سنيين نبيهم محمد خير المرسلين ولا نتشرف أن ينتسبوا هؤلاء لنا.

    وقصة مغارلة أمريكا قد وضحت حقيقتهم بالدليل والبرهان

    أحسنت يا أخي محمد دائما تأتي بمواضيع شيقة وننتظر منك المزيد.

    ردحذف
  2. جميل يا صديقي العزيز أن يُدافع المرء عن دينه، ومشاركتك أسعدتني حقا. ولا أخفيك رأيي عن طائفة الموريش، ففي النهاية أقول لهم، لكم دينكم ولنا دين.. لكن أجد نفسي أحترمهم طالما لا يؤدون أحدا، وهذا البلد أرض الله ويتسع للجميع.. والحمد لله الذي خلقنا مسلمين.

    أتمنى أن تعجبك المواضيع القادمة كذلك.

    تحياتي.

    ردحذف
  3. مقال جميل ومعلومات مفيدة فيها ما سمعته للمرة الأولى مثل قضية مصطفى الزموري والمويش أتساؤل هل هم فعلا مغاربة برأيك

    ردحذف
  4. هم يعتبرون أنفسهم مغاربة، والعلم المغربي ورموز البلد لا تفارقهم أينما حلوا وارتحلوا.. وفيهم من دأبى على زيارة المغرب ويحمل جنسيته، ومن كل هذا لا نجد لهم وصفا آخر غير أنهم مغاربة بشكل من الأشكال.. نعم هم غرباء عنا، ودينهم ليس منا، لكن تظل المقولة الشهيرة الأكثر تفسيرا لعجائب بلدنا: "أنت في المغرب، فلا تستغرب" ^^

    تحياتي

    ردحذف
  5. لا اعتقد ان الكلمة تعني الاندلسيين . فكلمة مورسكوس نفسها تعني مور
    حقا العالم مليء بالعجائب و الاحداث و هناك الكثيرون ممن ادعو النبوة من امثال غلام احمد قاديان الهندي مثلا و اظن انهم يفعلون ذلك لتلتف حولهم الناس و يستطيعوا التاثير عليهم .. موفق . مقال جميل
    بربروس

    ردحذف
  6. الذي أعرفه أن "الموريسكيون" هم سكان الأندلس المسلمين بعد سقوطها.. لكن تقصدين جمع "المورو" بالإسبانية، وهم سكان شمال افريقيا قديما وأنتِ منهم ههههه.. وفي الواقع هناك الكثير من المزاعم حول أصل تسمية الموريش، ولكن هي اقرب إلى الموريسكيون على ما يبدو من الاسم فقط، وفي كل الأحوال مجرد معتقدات يؤمن بها هؤلاء الناس، وكما قلتِ، وأضيف، هم يريدون صبغ أنفسهم للتميز على باقي الناس في بلد يعج بالطوائف والأعراق، وادعاء النبوة يحتاج لمقال مفصل، فكم من شخص جُنّ فظن نفسه نبيا هههه

    أسعدني تعليقك اختي جنات، وعيد أضحى مبارك سعيد، عليك وعلى الأسرة وجميع أشقائنا في الجزائر.

    ردحذف
    الردود
    1. لم اقرء عن الموريش بقدر ما قرأت عن المورو , و انا لم اعرف بوجود هذه الطائفة الا منذ سنوات قليلة ههه اطلق الاسبان اسم " مورو " على كل ماهو مسلم او يمت للاسلام بصلة مثل شعب المورو في فلبين , اما الموريش في امريكا فهم الذين اطلقوا على انفسهم هذه التسمية , و في كل الحالات فالسكان القدماء لشمال افريقيا هم سبب و اصل التسمية كما قلتَ , اجل موضوع ادعاء النبوة متفرع
      سلمت .. لقد شغلتني بعض المشكلات من دلك الوقت الى الآن .. آمين

      حذف
  7. أتمنى أنك تجاوزت مشكلاتك.. وطبعا الموريش في أمريكا هم من اختار هذا الاسم؛ لكن السؤال هنا، من أوحى لهم بهذا اللقب؟ وضمن الاحتمالات أن هؤلاء استوحوا لقبهم من اسم المورو..

    شكرا جنات على ردودك المفيدة.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

بوتفوناست (صاحب البقرة)

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

تازمامارت .. أحياء في قبور !