طفلة النابالم .. الصورة التي أوقفت الحرب



رغم كل المساحيق والأقنعة التي يضعها بعض البشر للتمويه، فتلقاهم في المؤتمرات والمنظمات، وهم ينطقون عن الأخلاق والقيّم والسلم، فلا يفلحون في الاقناع، ففي ذاكرة التاريخ صور تتجلى فيها بشاعة الإنسان، ورعب ما يستطيع القيام به حينما يقرر إلحاق الأذى بأبناء جلدته، حتى لو كانوا أطفالاً أبرياء.

في غمرة حرب فيتام، واشتعال الأرض والسماء على الناس، حمل المصور الأمريكي من أصل فيتنامي نيك أوت آلة تصويره ليلتقط الصور العاجلة للحرب لفائدة وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس، التي يعمل نيك مصورًا لها.

المصور نيك أوت

8 حزيران 1972 سيتواجد المصور نيك أوت في قرية ترانغ بانغ، جنوب فيتنام، القرية طالها هجوم جوي بالنابالم (سائل مشتعل) تركز على مخابئ مشبوهة في ترانغ بانغ، إلا أن الهجوم الجوي طال المدنيين، فظهر الأطفال يفرون ومذعورون مما حلّ بهم على الطريق السريع، وخلفهم سحب داكنة من الأدخنة، ويلحق بهم جنود فيتناميون.. فصوّب نيك أوت كاميرته اتجاه هذا المنظر المفجع، ومن بين ذلكم الأطفال، ظهرت طفلةٌ عارية على جسدها أثر حروق، وتركض باتجاه المصور نيك، وتصرخ في ذُعر: "حار حار ! سأموت سأموت !"

أشهر صورة في تاريخ الحروب

بعد أن التقط نيك أوت صورة ستخلد في ذاكرة التاريخ، عن مأساة سكب النابالم على قرية ترانغ برانغ؛ سيضع آلة تصويره جانبًا، ليحاول تهدئة روع هؤلاء الأطفال التعساء، ويصطحبهم إلى أقرب مستشفى لتلقي للعلاج.

في الأيام التالية، ستنشر وكالة الأنباء أسوشيتد برس صور قادم من فيتنام، ولفتت الطفلة العارية المذعورة الراكضة انتباه العالم، ووخزت ضمير الكوكب، وكانت السبب في بداية النهاية لحرب فيتنام، فقد اهتزت مشاعر سكان الأرض وهم يتفحصون وجوه أولئك الأطفال الفارين، وتلك الطفلة التي احترق جزء كبير من جسدها، فلم تلقَ عدا أن تحمل حروقها باكية، وتركض مع أقرانها. بعد عام واحد، ستنال الصورة "جائزة بولتيرز" تحت عنوان "إرهاب الحرب" وفي العقود القادمة، ستضحى الصورة مرتبطة بفواجع الحروب، واشتّهرت كذلك باسم "طفلة نابالم"

من هي الطفلة الظاهرة في الصورة ؟

تدعى فان ثي كيم فوك، من مواليد 1963، وعند التقاط صورتها التي غزت العالم، كانت بعمر تسع سنوات.. وبعد مرور نصف قرن، تعيش اليوم في كندا رفقة زوجها ووالدتها، وتترأس مؤسسة غير ربحية تنشط في مساعدة الأطفال ضحايا الحروب.

طفلة النابالم بعد مرور نصف قرن

عن تلك الصورة الشهيرة، تتذكر صاحبتها فان ثي، أن قبل التقاطها، كانت قد طالها لهب النابالم وأحرق جزء من ملابسها، وشعرت بحر شديد، ما جعلها تخلع ملابسها وتركض للنجاة، وتردف، أنها كانت مذعورةً وتعتقد بأنها ستغدو فتاة مشوهة، ولاحقًا ستفقد وعيها من فرط ارتفاع حرارة جسدها الصغير، وستمكث في المستشفى لأربعة عشر يومًا.. وبعد خروجها من المشفى وتحسن حالتها الصحية؛ ستكون مفاجأة في انتظارها، تكمن في صورتها التي مرت على جرائد العالم وظهرت في شاشات التلفزيون، فهلّها منظرها العاري وفزعها الشديد، وشعرت بالحرج من تلك الصورة، التي ستكره وجودها وتُصبح مصدر إزعاج لها، فقد كانت تظن أنها قبيحة في إطلالتها المفزعة، إضافة لظهورها عارية، ما سبب لها الاحراج في طفولتها، إلى أن كبرت وبدأت تتقبل نفسها الظاهر في تلك الصورة، التي ستزيد شهرتها مع تعاقب السنين، ما جعل وسائل الإعلام يطلبون مقابلة صاحبة الصورة، ولم تصد فان ثي الشهرة التي تطرق أبواب منزلها، حتى صارت رمزًا لحرب فيتنام.

فان ثي كيم فوك مع المصور نيك أوت

عن علاقتها بالمصور نيك أوت، الذي التقط لها تلك الصورة الشهير، تتحدث السيدة فان ثي، أن علاقة قوية تجمعها مع السيد نيك، حتى صار كفرد من أسرتها، وتنوه فان تيم في كل مناسبة ببطولة المصور نيك، وكيف أدى واجبه المهني والإنساني في آن واحد، فبعد التقاط الصور، وضع كاميرته جانبًا، وقدم المساعدة للطفة فان ثي وبقية الأطفال معها، وكان سببا في تلقيهم العلاج في مستشفى قريب، الذي رفض في بادئ الأمر استقبال هؤلاء الضحايا، وطلب من المصور نيك اصطحابهم إلى مدينة تبتعد عشرات الكيلو مترات، إلا أن نيك أصرّ عليهم بقبول علاجهم، ورضخوا لطلبه في الأخير.

(كلمة)

وتبقى مأساة الأطفال، هي الأشد ألمًا على القلوب السويّة.. صور كثيرة اهتزت لها مشاعر الناس حول العالم لأطفال يعانون، من طفلة النابالم، إلى الطفل الفلسطيني محمد الدرّة، مرورًا بالطفل السوري أيلان ومواطنه عمران، وصولاً إلى الطفل المغربي ريان، وآخرون لم يُكتب لمأساتهم الانتشار الواسع، إلا أنهم تشاركوا جميعًا في آلام البراءة.

تعليقات

  1. لم أكن لأتفق أكثر مع الخاتمة، فحقاً مآسي الأطفال هي التي تلمسنا أكثر من أي شيء، ومن الجيد دائماً أن نرى نهايات سعيدة لبعض تلك القصص.
    لا أنسى أيضاً صورة الطفلة السودانية والنسر، لأنها أبكت أبي يوم رآها، وتركت في ذاكرته أثراً عميقاً. أحياناً، يشكر المرء ربه لوجود يوم ستُحاسب كل نفس فيها عما ارتكبت، وسيُعطى كل ذي حق حقه، لربما مسنا شيء من الجنون لو لم يكن هناك يوم كهذا. هي راحة واستراحة نفسية.
    في النهاية أقول مقال جميل زادنا إطلاعا على ما يدور في العالم، وزادنا كرها للسياسات البشرية. سلمت يداك.

    ردحذف
  2. الله أكبر.. بمن ذكرتني؟ لا أعرف كيف نسيت النسر الذي ينتظر موت الطفلة المحتضرة ؟! تلك الصورة تطحن المشاعر.. وأتفق معك تماما فعدالة الله هي الموساة لمن لا حول له ولا قوة، ولولاها، ربما يحصل كما قلت، أن يُجن المرء.. فكم من قضايا لم تلق العدل في الأرض، فرُفعت إلى قاضي السماوات وشعر أهلها بالاطمئنان.

    بالمناسبة لفتتني عبارة "لم أكن لأتفق أكثر مع الخاتمة" تعبير جميل، يوشي بقارئ نهم، رغم أني اشعر بأني أعرفك ^^

    شكرا جزيلا على حسن القراءة والرد.

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أنت تعرفني يا صديقي ههه
      عموماً أنا شخص يحب أن يشاكسك أحياناً، ويوافقك في أحيان أخرى، وفي جميع الأحيان يحب أن يقرأ لك.

      حذف
  3. كان عليّ فقط أن أتأكد، ومنذ اللحظة لن تمر هنا دون أن أشعر بك.. فقد تم حفظ إشاراتك بنجاح^^

    أتعرف يا صديقي، أفضل ما يمكن أن يحدث للإنسان، أن يجد حوله من يتفق معه ويختلف معه في آن واحد..

    عموما، شرف لي أن شخص مثلك معجب بما أكتبه.. فشكرا.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

بنت الدراز