سبيل البريق



 قصة قصيرة

قد يتعذر الوصول، آهٍ من أن لا أصل.. فيحصل أن أتوقف عند منتصف الطريق، فلا أقدر على العودة،  لأنه عُبِث بأثار أقدامي، وسأتوه لو عكست السبيل.. هو شعور سيظل على مقربة مني، سيرافقني في الرحلة ويتربص بي، فأنا فريسته: أن لا أصل.

 لا أرى من المعتاد عدى زرقة السماء، تمدني بشيء من الحراسة، والاطمئنان، الذي يتلاشى بعد حين، فلا يبقى إلا عند رفع الأبصار، مع خشية  تقلص ذلك الاطمئنان المستمد من السماء، فيصير مثل ساعة الرمل. أتحاشى النظر إلى الأعلى، فالأرجح لن أرى عدى كسرة من السماء بين رؤوس الأشجار الباسقة.. إن انحصارها يزيد وحشتي. أواصل قُدمًا، أملاً أملاً في وصولٍ يحدوني.. أُفكر في طفل يعلب عند وقت العصر، ويجعل من جدع الشجرة حصانه.. امرأة تمشط شعرها، وتبتسم لنفسها في المرآة.. طفلة تنظر بإعجاب في عيون دميتها.. رائحة قهوة أمي في صباح صقيع. كل ما يجعل الدنيا جميلة، وتستحق أن نناشد في عيشها، فنعرف في الأخير، أن الحياة عاهرة وشريفة، كما قال لنا الواصلين. أخطو إلى الأمام، مع الكثير من التلافي، وأفكر في بئر لا قعر.. رجال يُساقون إلى منصة الإعدام.. وادٍ من الثعابين شديد التدفق.. أطرد عن نفسي تلك الأفكار، أُصارع بقائها، فأفلح في الأغلب. أُواصل في سبيلي، حتى أرى حسناء تظهر من العدم،  كما لو نُبتت من التربة! فتقف تنظر إليّ نظرة المحب، وتنتظر مني الوصول إليها.. لست أخافها، فلا أخشى من النساء كيفما كنّ.. أتلك من النساء؟ تذكرت الجنية عيشة قنديشة، التي تعترض الرجال في الأماكن الموحشة! لم أكن أؤمن بوجدها، أفَأؤمن بها اليوم؟ تختفي! إنها أوهامي الواهِنة، التي تصنع لي ما أحتاجه، فلا سواي في هذا الجرف، حتى السماء أشعر أنها تتخلى عني. أصل إلى رأس الجبل، ووقفت أنظر إلى ما تبقى من البلوغ، فيتبيّن لي المنشود، فكان لمعانًا من بعيد، ضياء يتلألأ في مدى بصري.. وللوصول إليه، عليّ  بتلك الجبال التي تدعوني للمرور عليها، ورقعة خضراء من الشجر بعدها، تتهيأ لمن ينجو من الجبال ليُبتلع وقد لا يُلفظ!. صبغة الليل في الأفق، والنوم في الرحلة يُنذر بالكوابيس، والطريق إلى الضياء البعيد، يحتاج إلى طموحٍ يرجّ الجبال، ورعاية من السماء.. أتذكر  أنفاقًا حُفرت بالأصابع، عليّ أنا، حفرها بالأسنان حتى أنفذ إلى الحياة.. ذلك قدر كل بائس مثلي، من عليه العد من الصفر. 

تمت. 

تعليقات

  1. تتحدث عن رحلة الحياة الشاقة ، خصوصا من عليه البداية من لا شيء . أظنك تقصد من الاطمئنان عند النظر إلى السماء ، علاقة الإنسان مع الله . لكن لماذا سيتلاشى هذا الاطمئنان ويصبح مثل ساعة رمل ؟! أسلوبك شاعري جميل لا يمل منه .

    ردحذف
  2. كم يسعدني آراء القراء الأذكياء أمثالك ! حقا كنت أقصد من النظر إلى السماء، لحظة الاقتراب من الخالق، أو ببساطة، العبادة.. وعن تساؤلك الوجيه، عن تقلص الاطمئنان؛ فهو الانصراف عن الدين والايمان بالقدر، حين تلتهب معارك الحياة.. فقال أحدهم، شعرت أن الله لا يأبه لي! أقول لك، هذا من نوع العدمية الفواح بالأمل، كنت أكتب في عمر صغير نسبيا، العدمية بقبح قد يُرى منه القذر.

    أشكر جزيلا، وأتمنى أن أظل عند حسن الظن.

    ردحذف
  3. أسعد الله مسائك يا مسيو ..
    ما اروع هذه الكلمات ، و كم وددت الا تنتهي هذه السطور التي تعبر عن تضارب اختلاجاتنا كذلك التائه الموجود بداخل كل منا في لحظات ضعفه و يأسه ثم ايمانه الذي يشد من عزمه لأكمال الرحلة و التطلع الى مستقبل واعد خل الجبال الوعرة ..
    تحياتي لك مسيو .. و لا زلت أعتقد أن كتاباتك انعكاس لمزاجك ، اذن هل المسيو بخير هذه الايام ؟!

    ردحذف
  4. مساء الخير،
    سعيد حقا أن ما كتبته نال اعجاب المادموزيل، وربما عليه أن ينتهي هنا، فلا نضمن أن لا يتبدل شعور الآنسة. ^^

    هكذا إذن ما زلت على اعتقادك؟ ^^ لا لن أجردك من هذا التصور.. لكني بخير هذه الأيام ولله الحمد، وممتن لسؤالك.. عساك أفضل إن شاء الله.

    ردحذف
  5. ياسين الرامي6 سبتمبر 2021 في 1:08 م

    وماذا لو لم يصل ؟؟

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

أغرب القصص في الإنترنت المظلم -1-