محمد أوفقير .. جنرال الدم !
سلسلة، مغرب القرن العشرين -1-
"إذا نجحتم أنا معكم، وإذا فشلتم فسأذبحكم ". هكذا كان رد الجنرال محمد أوفقير ، عندما عرض عليه ضباط مدرسة اهرمومو العسكرية المشاركة معهم في محاولة الإنقلاب على ملك المغربي الحسن الثاني عام 1971.. وفي الأخير فشل الإنقلاب ، ووفى أوفقير بوعده .. فمن يكون جنرال الدم محمد أوفقير؟.
ولد في عام 1920 في قرية صغيرة تدعى عين الشعير نواحي بوعرفة شرق المغرب، لأسرة كبيرة تضم ستة عشر أخ وأخت . كان والده قاطع طريق، ويقال أن ذاك الوالد هو من علمه وسائل التعذيب وزرع فيه السادية التي طغت على شخصيته فيما تبقى من حياته . لم يلج إلى التمدرس إلى في سن متأخرة، قبل أن يغادر صوب مدينة الدار البيضاء وهناك إلتحق بالمدرسة العسكرية التي كانت تحت يد الفرنسيين . عند تخرجه إلتحق بالجيش الفرنسي وصار قناصا عندهم ، ليشارك في الحرب العالمية الثانية . أذهل أوفقير الضباط الفرنسيين لإستبساله وصرامته، ما جعله يرتقي دراجات ، حتى تلقى وسام صليب الحرب بعدما قضى سنتين في إيطاليا ، ثم انتقل مع الجيش الفرنسي إلى الهند الصينية ، ليعود إلى المغرب ليغدوا مقربا من الجنرال "دوفان" قائد الجيش الفرنسي بالمغرب الذي قتل في مايو آيار 1945 أربعين ألف جزائريا ممن خرجوا مطالبين بالإستقلال . ولأن الفجر يطلع مهما طال سواد الليل ، فقد غادرت فرنسا المغرب عام 1956 لتستقل المملكة أخيرا وتعود إلى سابق عهدها ، إلا أن محمد أوفقير لم يرحل مع مواكب الفرنسيين.
بعد استقلال المغرب ؛ شغل أوفقير منصب مدير الأمن الوطني للمملكة ، ودشن أول جرائمه بعد قمع انتفاضة الريف في شمال البلاد عام 1958 حيث كان الردع وحشيا . ثم ما لبث حتى كبر أوفقير مع بديات الستينات حيث أصبح وزيرا للداخلية في أواخر عهد الملك محمد الخامس ، ثم مطلع عهد جديد للملك الشاب الحسن الثاني.
يقول الملك الحسن الثاني عن أوفقير في حوار مطول مع الكاتب والصحفي الفرنسي "إيرك لوران" نشر في في كتاب ذاكرة ملك :
يمكن القول أن أوفقير فرض علينا، فهو لم يكن الضابط المغربي الوحيد الذي عمل في صفوف القوات الفرنسية ، حيث وجدنا أوفقير عند عودتنا من المنفى عام 1955بانتظارنا أثناء نزلنا من الطائرة، وقام بسلام علينا وأخذ مكانه جنب سائق السيارة كأحد الضباط المرافقين لنا.. وبعد ذالك وجدناه في صفوف الحرس الملكي، وبنسبة لي ؛ أنا فقط ورتثه عن أبي، ولم يكن تجمعني به أي علاقة.. لا أعرف إذا كان أوفقير فرض علينا قضاءا وقدرا ؛ أو أن شخص ما هو الذي فرضه علينا .
يكتب الصحفي والكاتب الفرنسي "جيل بيرو " عن شهادة الضابط والمعارض السابق مؤمن الديوري بعدما وجد نفسه في مركز تعذيب يدعى "دار المقرئ" يعود ﻟـ محمد أوفقير :
خيل إلي أني في قاع بئر ، طرقت مسامعي تنهدات مستمرة ، وصرخات متأوهة وسعال، وأصوات رجال ونساء وأطفال ، كنت مستعدا أن أدفع أي ثمن لقاء أن أعرف ما يحدث حولي ، أخيرا رفع الحارس العصابة على عيني ؛ ﻏﻼﻟﺔ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺗﻤﻮﺟﺖ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻲ . ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﺟﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻘﻒ ورأﺳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻔﻞ . ﻓﻜﺮﺕ ﺃﻥ ﻋﻴﻨﻲ ﻗﺪ ﻏﺸﻴﺘﺎ ﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ . ﺧﻼﻝ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺳﺘﻌﻮﺩ ﺭﺅﻳﺘﻲ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺳﺄﺟﺪ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﺃﻭ ﻭﻗﻮﻓﺎ . ﻟﻸﺳﻒ ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺧﻄﺌﺎ ﺃﻭ ﺧﺪﻳﻌﺔ ، ﻓﺎﻟﺼﻮﺭ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻌﻼ ، ﺟﺪ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ . ﺭﺟﺎﻝ ﻭﻧﺴﺎﺀ ﻣﻘﻴﺪﻭﻥ ﻭﻣﻌﻠﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻘﻒ ﺑﻘﻴﻮﺩ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﺭبﻄﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺒﻞ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﻳﺮﻓﻌﻮﻥ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﺃﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﻭﺁﺑﺎﺋﻬﻢ ، ﻭﻫﻢ ﻳﻨﺘﺤﺒﻮﻥ ﻭﻗﺪ ﺃﺿﻨﺎﻫﻢ ﺍﻟﺘﻌﺐ ﻭﺍﻟﺒﻜﺎﺀ . ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻣﺘﺴﺨﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ ، ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻁ ﻳﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﻓﻬﻢ . ﻻ ﻋﻤﺮ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺕ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻀﺎﺭ ، ﻟﻬﺆﻻﺀ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺎﻟﺴﻴﻦ ﺍﻟﻘﺮﻓﺼﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﺮﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺍﻟﻘﻲﺀ . ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺭﻫﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﻦ ﺻﻌﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﻠﻘﻲ ، ﺷﻌﺮﺕ ﺑﺎﻟﻐﺜﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﻘﻲﺀ . ﻣﻨﺬ ﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻳﺘﺨﺒﻄﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ؟..
يضيف "جيل بيرو" عن مؤمن الديوري وما تعرض له من السادي أوفقير :
" ﺍﻗﺘﺮﺏ محمد أوفقير ﻣﻦ ﻣﺆﻣﻦ ﺩﻳﻮﺭﻱ ، ﻭﻫﻮ ﻣﺮﺑﻮﻁ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻮﺩ ﻭﺷﻖ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﻳﺴﺮ ﻣﻦ ﻇﻬﺮﻩ ﺑﺨﻨﺠﺮ ، ثم ﺃﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺟﻴﺒﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﻭﻏﺮﺯﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﻏﻄﺎﻩ ﺑﻠﺼﻘﺔ ﻣﺸﻤﻌﺔ . ﻭﺍﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ . ﺗﺼﺒﺐ ﺟﺴﻢ ﺩﻳﻮﺭﻱ ﻋﺮﻗﺎ ، ﻭﺟﻒ ﺭﻳﻘﻪ ، ﺧﻴﻞ ﻟﻪ ﻗﺮﺏ ﺍﺣﺘﻀﺎﺭﻩ . ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ : ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪﺍ ﺃﻥ ﺃﻗﺪﻡ ﻋﻴﻨﻲ ﻟﻘﺎﺀ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ.
ﺍﻧﻬﺎﺭ مؤمن ﻭﺍﻋﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ . ﺷﺎﻫﺪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺮﺍﻝ ﺃﻭﻓﻘﻴﺮ ﻭﻗﺪ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﻴﺐ ﺻﻘلي ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ، وﺃﺣﺪ قدﺍﻣﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﻴﻦ . قطع ﻭجهه ﺇﺭﺑﺎ : ﻣﺰﻕ ﺷﻔﺘﻴﻪ ، ﺛﻢ ﻗﻄﻊ ﺇﺣﺪﻯ أذﻧﻴﻪ ، ﻓﺎﻷﺫﻥ ﺍﻷﺧﺮﻯ ، ﻭﺟﺪﻉ ﺃﻧﻔﻪ . ﺃﺧﻴﺮﺍ ﻏﺮﺯ ﺧﻨﺠﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ . ﻗﺎﻝ ﻟﺪﻳﻮﺭﻱ : ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ، ﺗﻠﻚ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﺃﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻴﺎ . ﺛﻢ حول ﻭﺟﻬﻪ ﻟﻴﺘﻘﻴﺄ .
ويضيف مؤمن أنه شاهد أوفقير يقتل رجل المطافئ من الدار البيضاء المعروف بـ لحسن المقاوم السابق :
كان لحسن معلقا في السقف برجل واحدة . إنه شكل جديد من التعذيب . فتقدم أوفقير وهو يحمل خنجرا بيده ؛ فشق بطنه فانطلقت أحشائه ، وبضربة أخرى قطع الحبل فسقط لحسن على الأرض ، تحطمت فقراته الرقابية ، ثم أخرج الحراس الجثة . كانوا يدفنون الجثث قرب جدع شجرة البرتقال في الحديقة .
المهدي بن بركة وعلاقة أوفقير بـ لغز القرن .. من قتل مهدي؟
مازالت قضية مهدي بن بركة إلى يومنا هذا يكسوها الكثير من الغموض، ومازالت عائلته تطالب بمعرفة مصيره منذ أكثر من نصف قرن . كان مهدي بن بركة أكبر المعارضين الإشتراكيين في بداية حكم الحسن الثاني في مطلع الستينات . بن بركة، الذي تعاقب على عدة مناصب في المملكة منذ أن صار رئيسا لحزب الإستقلال عام 1945 إلى أن قدم استقالته نهائيا من الحزب عام 1959 ليتحول إلى معارض شرس، يبث الخوف في نفوس السلطات في المملكة . تعرض لأول محاولة إغتيال في 16 نونبر عام 1962 لكنه نجى منها بعد إصابته بعدة جروح متفاوتة الخطورة . في صيف عام 1963 غادر المغرب نهائيا صوب فرنسا بعدما أكد للمعارضة أن المغرب يعيش في مرحلة خطير يسود فيها الفساد في كافة أجهزة الدولة . بعد مغادرته للمغرب بشهر واحد صدر بحقه الحكم غيابيا بالإعدام بعد إدانته بتورط في مؤامرة محاولة إغتيال الملك . بقي بن بركة مستقرا في فرنسا حتى 29 أكتوبر 1965 حيث اختفى يومها مهدي إلى الأبد ؛ و تضاربت عدة روايات حول إختفائه ، أكثرها انتشرا هي أن المخابرات المغربية بمساعدة الموساد الإسرائيلي هما من تكلفا بتصفية بن بركة في سرية تامة . بينما الرواية الثانية توجه أصابع الإتهام إلى محمد أوفقير بأنه من قتل بن بركة وأعاد برأسه إلى المغرب ليستعرضه أمام كل من يشك في ولائهم . فعل أوفقير هذا لأنه يخشى مهدي ولا وجود له في مخططاته المستقبلية عندما سينقلب على الملك . والمؤكد أن محمد أوفقير يعرف جيدا من قتل مهدي.
فشل انقلاب الصخيرات .. أوفقير يسود
في تموز عام 1971 كان الملك الحسن الثاني يحتفل بعيد ميلاده الثاني والأربعون مع ضيوفه في قصر الصخيرات.. حفلة انتهت بأنهار من الدماء، حيث تعرض القصر لهجوم مسلح قاده الضابط محمد اعبابو قائد مدرسة أهرمومو العسكرية ، والجنرال محمد المذبوح.. الهجوم الذي شارك فيه تلاميذ وضباط المدرسة ونفذوا أوامر رئيسهم ؛ فقد غر بهم جميعا فظنوا أنهم في مناورات عسكرية خاصة ، حتى أمرهم أعبابو بإطلاق النار لتسقط عشرات الأرواح من الأبرياء من شخصيات مرموقة مغربية وأجنببة ، وقام الإنقلابيون بالسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون ليبث للمغاربة خبرا مفاده : أن المغرب صار في يد الجيش.. إلا أن خلاف وقع بين زعيمي الإنقلاب محمد عبابو والجنرال المذبوح.. حيث عاتب المذبوح أعبابو قائلا : أنهما لم يتفقا على إطلاق الرصاص، وأنه اعبابو إتخذ قرار منفرد.. طالب منه أعبابو أن يدله على مكان تواجد الملك في القصر، ليرد عليه المذبوح بأن الملك يطلب بوقف إطلاق النار وبعد ذلك سيتنازل عن العرش.. لكن اعبابو لم يصدق شريكه الذي كان ضمن ضيوف الملك في عيد ميلاده، وأصبح كل واحد يشك في خيانة الآخر له، لينتهي المشهد بموت الجنرال محمد المذبوح بعد إطلاق أحد التلاميذ النار عليه بإشارة من اعبابو.. أما نهاية عبابو فقد كانت هوليودية بعدما تلاسنا مع عدوه اللدود العقيد بشير البوهالي حتى أطلقا النار على بعضهما في لحظة واحدة، وماتا معا.. في هذه اللحظة قال الملك ﻟـ وزير الداخلية محمد أوفقير : "أكلفك بكل الصلاحيات؛ أنت اﻵن وزيرا لدفاع، تكلف بإنهاء الأمر " .. وهكذا صار أوفقير وزيرا لدفاع، ليقوم بإنهاء الإنقلاب في ساعات قليلة حيث تم القبض على مئات المتورطين ، وفي أقل في ثمان وأربعون ساعة تم إعدام أكبر جنرالات المملكة ، وآخرون زجى بهم في سجن القنيطرة . ثم صار أوفقير الرجل الثاني في المغرب بعد الملك..
أوفقير يخطط للمجد
طلب الملك الحسن الثاني من محمد أوفقير أن يتكلف بإنهاء إنقلاب الصخيرات، وكلفه بكل صلاحياته ، وكذلك فعل أوفقير، إلا أنه لم يقم بالقبض وتصفية كل المتورطين، بل ترك بعضهم ليوظفه في خططته المستقبلية، وكان أبرزهم العقيد محمد أمقران قائد القاعدة الجوية في القنيطرة، حيث استدعاه أوفقير بعد فشل الإنقلاب بساعات قليلة إلى الرباط.. وبعدما علم أمقران بأن أوفقير يريده في أمر هام ؛ قام بتوديع أصدقائه في القاعدة وقال بالحرف : "إن لم أعد اليوم ؛ فوداعا أيها الأصدقاء " .. كان يعلم أن أوفقير قد يسرق أنفاسه في تلك الليلة التي كان المغرب فيها على صفيح ساخن.
دخل أمقران على أوفقير، فقام الأخير بخلع نظارته وتوجه نحوى أمقران ونظر في عينيه قائلا : "أعرف جيدا أنك كنت على علم بالإنقلاب، وأستطيع الآن أن أقتلك ياولدي ، لكني لن أفعل " . رد أمقران قائلا : "لا تربطني أي علاقة بما حدث ، ولو أردت الإنقلاب على الملك لفعلت هذا مستعينا بقاعدتي الجوية ، فأنا أمتلك أمهر الطيارون وأفتك الأسلحة." انشرحت ملامح أوفقير بعد سماعه لرد أمقران ، وقال بلهجة ودية : "أعرف أنك وطني ولن تترد في فعل ما يجب فعله من أجل مستقبل المغرب." .. وهكذا ابتلع أفقير أمقران في تلك الليلة وأشركه في مسعاه لنيل من الملك ، وستكون قاعدة القنطيرة الجوية أداة لتنفيذ المهمة .. في الأشهر الأولى التي تلت إنقلاب الصخيرات ؛ كان فيها أوفقير يرتاد كثيرا القاعدة الجوية في القنيطرة وأولى لها اهتمام خاص ، بينما كان روائد القاعدة من الشباب الطموح للإقلاع ببلادهم؛ لم يكونوا على علم أن مجيئ أوفقير المتكرر لم يكن بريئا بالبتة ، حيث كان يخطط مع قائد القاعدة أمقران للإنقلاب على الملك والإستيلاء على السلطة.. وبدأ أفقير بتحسين أحوال القوات العسكرية ليضمن ولاء الضباط له على حساب الملك. وهنا قد يسأل سائل ؛ أين كان الملك والمخابرات في الوقت الذي كان فيه أوفقير يحضر لكي يرد ثاني أقدم مملكة في التاريخ إلى جمهورية ؟. الحقيقة أن المخابرات المغربية حذرت الملك من أوفقير بأنه يدبر شيئا في الخفاء ، إلا أن الملك كان يثق بوزير دفاعه وينصاب إلى تعليلات الجنرال ؛ أن كل ذلك ما هو إلا صناعة أعدائه، فهو ملكي أكثر من أي مغربي آخر ولن يخون ولي نعمته.
عملية البراق إف 5 .. البوينغ الملكية تشتعل في عنان السماء !
بعد فشل انقلاب الصخيرات ؛ واعتلاء أوفقر مركز وزير الدفاع، كان همه الوحيد هو القضاء على الملك والقبض على السدة في مملكة الشمس.. كانت خطته تتمحور في قصف طائرة الملك في الجو أثناء عودته إلى الوطن.. وكما أسلفنا فإن قاعدة القنيطرة الجوية هي منبت الجرم وهناك كان يحبك.. وقبل تنفيد الإنقلاب بشهر واحد، دخل طرف ثالث في الخطة وهو الرائد الوافي قويرة الرئيس الثاني للقاعدة ، بينما باقي الرواد يجهلون ما يدبر في الخفاء..
بعد عام كامل من محاولة الإنقلاب الأول، وفي 27 يوليوز 1972 ودع أوفقير الملك الحسن الثاني في طنجة أثناء رحلته إلى فرنسا.. في هذا الوداع لفت أوفقير الأنظار عندما بكى أثناء التوديع ، كان يعلم أن هذه أخر مرة سينظر فيها في عيني ولي نعمته.. في 16 أغسطس كان الملك في طريق العودة من فرنسا إلى المغرب عبر طائرة بوينغ 727 بعدما تلقى تحذيرات من المخابرات أن هناك تحركات مريبة داخل الجيش ، وأثناء العودة توقف في برشلونة الإسبانية ثم أقلعت الطائرة من جديدة ، وكان الملك الحسن الثاني يطلب من الرائد محمد قباج تغير مسار الطائرة كل حين . في هذه اللحظات كانت ست مقاتلات من نوع "نورثروب إف 5" أقلعت من قاعدة القنيطرة الجوية ثلاثة منها مسلحة، تحوم حول سماء مدينتي طنجة و تطوان بانتظار قدوم طائرة الملك.. ويذكر أن رواد المقاتلات الغير مسلحة لم يكونوا على علم بأمر الإنقلاب ، ومن بينهم قائد السرب الرائد صالح حشاد، فقد ظنوا أنهم في عملية خفر إعتادوا القيام بها.. حتى ظهرت الطائرة الملكية في الأجواء المغربية ، في هذه الأثناء أصدر أوفقير الأمر الناهي بإطلاق الرصاص على الطائرة الملكية ، ثم انطلق الرعب في عنان السماء ! البوينغ 727 بمن فيها ؛ الملك الحسن الثاني وعائلة وحاشيته تحت رحمة النيران على بعد كيلو مترات قليلة من مطار الرباط.. أدى القصف إلى إندلاع النيران في محرك الطائرة وعطل الآخر، لتبقى الطائرة بمحرك واحد وسحابة من الدخان تندلع منها.. فتوقفت ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﻟﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﻄﺎﺋﺮﺓ وفقدت البوينغ 727 علوها، ثم بدأت تترنح في الجو . وكان قدر الركاب أن الطائرة ستنفجر في أي لحظة ، ﻭ في هذه اللحظة قال الرائد محمد قباج الذي كان يقود الطائرة المستهدفة للملك الحسن الثاني : "يا صاحب الجلالة، ربما ستسقط الطائرة ولن أستطيع فعل شيء !".. رد الملك بعزم ورباطة الجأش : "لن تسقط الطائرة ؛ أنا ملكك معك، لا تخف ، استمر في القيادة".. وبدأ الملك يطوف حول الركاب وهو يردد : "لن تصابوا بأذى" .. ويعدهم بالنجاة رغم كل الأهوال التي تحيط بهم . في هذه اللحظات كان نسبة نجاة الطائرة - التي قدرت فيما بعد - واحد من مليار ! إلا أن المعجزة قد حصلت، وهبطت الطائرة الملكية في مطار الرباط.. بعد ذلك أمر اوفقير بقصف المطار ثم القصر الملكي برباط . لكن الملك خدعهم بموكب مزيف تركه طعما لهم ، فتوجه على متن سيارة مدنية إلى قصره بالصخيرات . في الأخير نجى الحسن الثاني وفشلت خطط أوفقير.. في تلك الليلة أمر أوفقير الجنرال بن عبد السلام القائد الثاني للقوات الجوية بذهاب إلى قاعدة القنيطرة ودبح كل من فيها ؛ من طيارون ومسلحي الطائرات والعاملين في برج المراقبة وعمال بسطاء . أن لا يترك نفسا حية هناك، حتى يغسل أوفقير نفسه من أثر الجريمة وأي دليل يدينه ، وبعد ذلك سيتوجه أوفقير إلى الملك ليخبره أن كل شيء بخير، وأنه قام بالقضاء على كل المتآمرون كما حدث في انقلاب الصخيرات قبل عام بتمام ، إلا أنه لم يكن يعلم أن القاعدة الجوية حينها كانت محاصرة بالمدرعات، أما شريكه محمد أمقران ؛ فقد هرب الى جبل طارق عبر طائرة عمودية بعدما تيقن أن الفشل حليف اللانقلاب ، لكن المصيبة الفادحة للجنرال؛ هي أن الرائد الوافي قويرة الذي كان ضمن سرب المقاتلات التي قصف البوينغ 727 قفز بالمظل من طائرته وقبض عليه رجال الدرك وسلموه للملك ؛ واعترف بكل شي.
محمد أوفقير .. أي نهاية ؟
ذهب أوفقير إلى القصر الملكي بالصخيرات ، لإستكمال خطته البديلة بعد الفشل ، ولم يعد إلى الأبد . فما الذي حدث ؟
يقول الملك الحسن الثاني :
لقد ظل مختفيا، إلا أن جاء إلى القصر الملكي بالصخيرات ليعرف ماذا جرى لي . كنت أستحم وولدتي هي من استقبلته ، فانحنى لتقبيل يدها، فصرخت في وجهه : "ماذا حدث هذه المرة أيضا؟ لماذا لا تتركون أنتم الجنود ابني وشأنه؟ ماذا فعل بكم؟" .. فأجابها أوفقير بكل وقاحة : "لالة ؛ أقسم لك أنه لا دخل لي في ذلك ، وكما سترين فسيحملونني مرة أخرى مسؤولية ما حدث." وجاءت والدتي لتحكي لي ذلك. وكان ذلك اعترفا منه بجريمته ، لقد انصرف أوفقير إلى حال سبيله، ثم انتحر.
تقول أرملة أوفقير :
في مساء يوم الإعتداء نفسه ، ذهب أوفقير في منتصف الليل إلى قصر الصخيرات الذي دعي إليه ، وهو يعلم أنه ذاهب لموت محتم، وواجه أعدائه بشرف وشجاعة . روى لنا سائقنا كيف سارت الأمور . كان العقيد - حينها - أحمد الدليمي في باب القصر يستقبل أوفقير ، فاستغل ذلك ليجسه ليتأكد أن الجنرال لا يحمل مسدسا، وبتأكيد لم يكن أوفقير يحمل سلاحا ، لقد جاء ليموت . أدخل من قبل الدليمي إلى حجرة كان فيها الملك وعبد الحافظ العلوي ، وقتل زوجي أمام أنظار الملك. باشتراك فعال من قبل هذين الشخصين ؛ الدليمي والعلوي.
يقول جيل بيرو :
إن العقيد الدليمي أستدرج أوفقير حيث قيل له إن الملك مصاب إصابة خطيرة في منزل قرب المطار . ذهب أوفقير إلى هناك؛ فقتل على يد الدليمي والعلوي. ثم أعادو الجثة إلى قصر الصخيرات لإستكمال السيناريو.
نعود إلى أرملة أوفقير، حيث قالت :
كلف شقيق أوفقير طبيبا فرنسيا لإجراء الكشف على الجثة ، وجاء التقرير الطبي دامغا ؛ قتل الجنرال بخمس طلقات ؛ واحدة في الكبد ، واحدة في القلب ، واحدة في الرئة اليسرى ، واحدة في الدراع اليمنى ، وطلقة الرحمة في الصدر.
في اﻷخير مات أوفقير، وكيف حصل ذلك؟ العلم عند الله.
ختاما :
ويبقى السؤال : كيف لم تستطع ثلاث طائرات حربية مسلحة اسقاط الطائرة الملكية ؟ أي معجزة هذه التي قادت البوينغ 727 لتهبط بسلام على الأرض، بعدما كان احتمال نجاتها واحد من مليار ؟.
يقول الملك الحسن الثاني :
إن ما قام به ربان هذا السرب ؛ لا يجعلني أفتخر بربابنتي، لأنهم كانوا يطلقون النار على طائرتي بشكل عشوائي ينم عن غباوة .
إلا أن هناك أسباب حكمت على هذه العملية بفشل شنيع.. أولاها عدم التنسيق ، فقائد السرب صالح حشاد لم يكن على علم بالعملية، وطائرته لم تكن مسلحة .. أما الرواد الذين وكلت إليهم الطائرات المسلحة فأحدهم يدعى زياد، لم يعلم بالمخطط سوى قبل التحليق بلحظات ، والثاني يدعى بوخاليف، الذي نجح في إصابة طائرة الملك ، فقد وصلته التعليمات بإطلاق النار في الجو ! ليبقى قويرة هو الوحيد الذي كان يعلم بالإنقلاب قبل شهر واحد.. ويذكر أن هؤلاء الثلاثة مع رئسهم أمقران تم إعدامهم صحبة ثمانية أشخاص آخرون.. لتبقى المفارفة العجيبة ؛ لماذا لم يشرك أفقير وأمقران معهما قائد السرب الذي قصف طائرة الملك، ورئيس العمليات في القاعدة ، الرائد صالح حشاد ؟ الذي كان آنئذ أفضل طيار في المغرب ، لما لا وهو أول رائد أجنبي في التاريخ يشارك في استعراض جوي للقوات الجوية الأمريكة بعد التخرج . إلا أن إذا ظهر السبب زال العجب ، فالرائد حشاد آمره أمقران بلإقلاع بعدة مقاتلات وقصف قصر الصخيرات أثناء الإنقلاب الأول الفاشل الذي خطط له العقيد أعبابو رفقة الجنرال المذبوح، إلا أن صالح حشاد رفض طلب رئيسه حينها معللا أنه لن يقتل الأبرياء.. وهذا الذي جعل أمقران وأوفقير يستغنيا على الرائد الأفضل في البلد . ويقال ان أمقران بعد فشل الإنقلاب وهروبه على متن طائرة عمودية إلى جبل طارق صحبة طيار آخر في القاعدة ؛ كان يلطم نفسه وهو يردد : "لماذا لم أشرك معي حشاد لماذا؟" .. والشيء المؤكد أنه لو شارك الرائد صالح حشاد في العملية ؛ لاتغير تاريخ المغرب .
نعود إلى أوفقير ، فقد كان يجهز لتصفية كل رواد القاعدة حتى لو نجح الإنقلاب؛ ومن بينهم شريكه محمد أمقران ، حتى يخلو له السبيل لوحده ، إلا أن شريكه أمقران كان يفكر بنفس المنوال ،حيث اتفق مع المعارضة بتصفية أوفقير بعد الإنتهاء من الملك.
(كلمة)
ماذا يعني أن ثلاث طيارون في أعلى مستوى، ويقودون ثلاث مقاتلات مسلحة تعتبر من الأجود في ذلك الوقت، فشلوا في إسقاط طائرة مدنية ؟. وكما قال الملك ؛ هذا لا يجعلنا نفتخر بربابنة بلدنا.
وسؤال آخر يلوح هناك : ماذا لو نجح الجنرال محمد اوفقير في مسعاه بكل شيطانيته وغدره وخيانته وجبروته وزبانيته ؛ ياترى كيف سيكون حالنا اليوم ؟.
الكاتب محمد بنصالح
bensalahsimo018@gmail.com
"إذا نجحتم أنا معكم، وإذا فشلتم فسأذبحكم ". هكذا كان رد الجنرال محمد أوفقير ، عندما عرض عليه ضباط مدرسة اهرمومو العسكرية المشاركة معهم في محاولة الإنقلاب على ملك المغربي الحسن الثاني عام 1971.. وفي الأخير فشل الإنقلاب ، ووفى أوفقير بوعده .. فمن يكون جنرال الدم محمد أوفقير؟.
ولد في عام 1920 في قرية صغيرة تدعى عين الشعير نواحي بوعرفة شرق المغرب، لأسرة كبيرة تضم ستة عشر أخ وأخت . كان والده قاطع طريق، ويقال أن ذاك الوالد هو من علمه وسائل التعذيب وزرع فيه السادية التي طغت على شخصيته فيما تبقى من حياته . لم يلج إلى التمدرس إلى في سن متأخرة، قبل أن يغادر صوب مدينة الدار البيضاء وهناك إلتحق بالمدرسة العسكرية التي كانت تحت يد الفرنسيين . عند تخرجه إلتحق بالجيش الفرنسي وصار قناصا عندهم ، ليشارك في الحرب العالمية الثانية . أذهل أوفقير الضباط الفرنسيين لإستبساله وصرامته، ما جعله يرتقي دراجات ، حتى تلقى وسام صليب الحرب بعدما قضى سنتين في إيطاليا ، ثم انتقل مع الجيش الفرنسي إلى الهند الصينية ، ليعود إلى المغرب ليغدوا مقربا من الجنرال "دوفان" قائد الجيش الفرنسي بالمغرب الذي قتل في مايو آيار 1945 أربعين ألف جزائريا ممن خرجوا مطالبين بالإستقلال . ولأن الفجر يطلع مهما طال سواد الليل ، فقد غادرت فرنسا المغرب عام 1956 لتستقل المملكة أخيرا وتعود إلى سابق عهدها ، إلا أن محمد أوفقير لم يرحل مع مواكب الفرنسيين.
بعد استقلال المغرب ؛ شغل أوفقير منصب مدير الأمن الوطني للمملكة ، ودشن أول جرائمه بعد قمع انتفاضة الريف في شمال البلاد عام 1958 حيث كان الردع وحشيا . ثم ما لبث حتى كبر أوفقير مع بديات الستينات حيث أصبح وزيرا للداخلية في أواخر عهد الملك محمد الخامس ، ثم مطلع عهد جديد للملك الشاب الحسن الثاني.
يقول الملك الحسن الثاني عن أوفقير في حوار مطول مع الكاتب والصحفي الفرنسي "إيرك لوران" نشر في في كتاب ذاكرة ملك :
يمكن القول أن أوفقير فرض علينا، فهو لم يكن الضابط المغربي الوحيد الذي عمل في صفوف القوات الفرنسية ، حيث وجدنا أوفقير عند عودتنا من المنفى عام 1955بانتظارنا أثناء نزلنا من الطائرة، وقام بسلام علينا وأخذ مكانه جنب سائق السيارة كأحد الضباط المرافقين لنا.. وبعد ذالك وجدناه في صفوف الحرس الملكي، وبنسبة لي ؛ أنا فقط ورتثه عن أبي، ولم يكن تجمعني به أي علاقة.. لا أعرف إذا كان أوفقير فرض علينا قضاءا وقدرا ؛ أو أن شخص ما هو الذي فرضه علينا .
يكتب الصحفي والكاتب الفرنسي "جيل بيرو " عن شهادة الضابط والمعارض السابق مؤمن الديوري بعدما وجد نفسه في مركز تعذيب يدعى "دار المقرئ" يعود ﻟـ محمد أوفقير :
خيل إلي أني في قاع بئر ، طرقت مسامعي تنهدات مستمرة ، وصرخات متأوهة وسعال، وأصوات رجال ونساء وأطفال ، كنت مستعدا أن أدفع أي ثمن لقاء أن أعرف ما يحدث حولي ، أخيرا رفع الحارس العصابة على عيني ؛ ﻏﻼﻟﺔ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﺗﻤﻮﺟﺖ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻲ . ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﺟﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻘﻒ ورأﺳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻔﻞ . ﻓﻜﺮﺕ ﺃﻥ ﻋﻴﻨﻲ ﻗﺪ ﻏﺸﻴﺘﺎ ﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ . ﺧﻼﻝ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺳﺘﻌﻮﺩ ﺭﺅﻳﺘﻲ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺳﺄﺟﺪ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﺃﻭ ﻭﻗﻮﻓﺎ . ﻟﻸﺳﻒ ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺧﻄﺌﺎ ﺃﻭ ﺧﺪﻳﻌﺔ ، ﻓﺎﻟﺼﻮﺭ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻌﻼ ، ﺟﺪ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ . ﺭﺟﺎﻝ ﻭﻧﺴﺎﺀ ﻣﻘﻴﺪﻭﻥ ﻭﻣﻌﻠﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻘﻒ ﺑﻘﻴﻮﺩ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﺭبﻄﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺒﻞ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﻳﺮﻓﻌﻮﻥ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﺃﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﻭﺁﺑﺎﺋﻬﻢ ، ﻭﻫﻢ ﻳﻨﺘﺤﺒﻮﻥ ﻭﻗﺪ ﺃﺿﻨﺎﻫﻢ ﺍﻟﺘﻌﺐ ﻭﺍﻟﺒﻜﺎﺀ . ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻣﺘﺴﺨﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ ، ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻁ ﻳﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﻓﻬﻢ . ﻻ ﻋﻤﺮ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺕ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻀﺎﺭ ، ﻟﻬﺆﻻﺀ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺎﻟﺴﻴﻦ ﺍﻟﻘﺮﻓﺼﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﺮﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺍﻟﻘﻲﺀ . ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺭﻫﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﻦ ﺻﻌﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﻠﻘﻲ ، ﺷﻌﺮﺕ ﺑﺎﻟﻐﺜﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﻘﻲﺀ . ﻣﻨﺬ ﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻳﺘﺨﺒﻄﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ؟..
يضيف "جيل بيرو" عن مؤمن الديوري وما تعرض له من السادي أوفقير :
" ﺍﻗﺘﺮﺏ محمد أوفقير ﻣﻦ ﻣﺆﻣﻦ ﺩﻳﻮﺭﻱ ، ﻭﻫﻮ ﻣﺮﺑﻮﻁ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻮﺩ ﻭﺷﻖ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﻳﺴﺮ ﻣﻦ ﻇﻬﺮﻩ ﺑﺨﻨﺠﺮ ، ثم ﺃﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺟﻴﺒﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺢ ﻭﻏﺮﺯﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﻏﻄﺎﻩ ﺑﻠﺼﻘﺔ ﻣﺸﻤﻌﺔ . ﻭﺍﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ . ﺗﺼﺒﺐ ﺟﺴﻢ ﺩﻳﻮﺭﻱ ﻋﺮﻗﺎ ، ﻭﺟﻒ ﺭﻳﻘﻪ ، ﺧﻴﻞ ﻟﻪ ﻗﺮﺏ ﺍﺣﺘﻀﺎﺭﻩ . ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ : ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪﺍ ﺃﻥ ﺃﻗﺪﻡ ﻋﻴﻨﻲ ﻟﻘﺎﺀ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ.
ﺍﻧﻬﺎﺭ مؤمن ﻭﺍﻋﺘﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ . ﺷﺎﻫﺪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺮﺍﻝ ﺃﻭﻓﻘﻴﺮ ﻭﻗﺪ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﻴﺐ ﺻﻘلي ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ، وﺃﺣﺪ قدﺍﻣﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﻴﻦ . قطع ﻭجهه ﺇﺭﺑﺎ : ﻣﺰﻕ ﺷﻔﺘﻴﻪ ، ﺛﻢ ﻗﻄﻊ ﺇﺣﺪﻯ أذﻧﻴﻪ ، ﻓﺎﻷﺫﻥ ﺍﻷﺧﺮﻯ ، ﻭﺟﺪﻉ ﺃﻧﻔﻪ . ﺃﺧﻴﺮﺍ ﻏﺮﺯ ﺧﻨﺠﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ . ﻗﺎﻝ ﻟﺪﻳﻮﺭﻱ : ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ، ﺗﻠﻚ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﺃﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻴﺎ . ﺛﻢ حول ﻭﺟﻬﻪ ﻟﻴﺘﻘﻴﺄ .
ويضيف مؤمن أنه شاهد أوفقير يقتل رجل المطافئ من الدار البيضاء المعروف بـ لحسن المقاوم السابق :
كان لحسن معلقا في السقف برجل واحدة . إنه شكل جديد من التعذيب . فتقدم أوفقير وهو يحمل خنجرا بيده ؛ فشق بطنه فانطلقت أحشائه ، وبضربة أخرى قطع الحبل فسقط لحسن على الأرض ، تحطمت فقراته الرقابية ، ثم أخرج الحراس الجثة . كانوا يدفنون الجثث قرب جدع شجرة البرتقال في الحديقة .
المهدي بن بركة وعلاقة أوفقير بـ لغز القرن .. من قتل مهدي؟
مازالت قضية مهدي بن بركة إلى يومنا هذا يكسوها الكثير من الغموض، ومازالت عائلته تطالب بمعرفة مصيره منذ أكثر من نصف قرن . كان مهدي بن بركة أكبر المعارضين الإشتراكيين في بداية حكم الحسن الثاني في مطلع الستينات . بن بركة، الذي تعاقب على عدة مناصب في المملكة منذ أن صار رئيسا لحزب الإستقلال عام 1945 إلى أن قدم استقالته نهائيا من الحزب عام 1959 ليتحول إلى معارض شرس، يبث الخوف في نفوس السلطات في المملكة . تعرض لأول محاولة إغتيال في 16 نونبر عام 1962 لكنه نجى منها بعد إصابته بعدة جروح متفاوتة الخطورة . في صيف عام 1963 غادر المغرب نهائيا صوب فرنسا بعدما أكد للمعارضة أن المغرب يعيش في مرحلة خطير يسود فيها الفساد في كافة أجهزة الدولة . بعد مغادرته للمغرب بشهر واحد صدر بحقه الحكم غيابيا بالإعدام بعد إدانته بتورط في مؤامرة محاولة إغتيال الملك . بقي بن بركة مستقرا في فرنسا حتى 29 أكتوبر 1965 حيث اختفى يومها مهدي إلى الأبد ؛ و تضاربت عدة روايات حول إختفائه ، أكثرها انتشرا هي أن المخابرات المغربية بمساعدة الموساد الإسرائيلي هما من تكلفا بتصفية بن بركة في سرية تامة . بينما الرواية الثانية توجه أصابع الإتهام إلى محمد أوفقير بأنه من قتل بن بركة وأعاد برأسه إلى المغرب ليستعرضه أمام كل من يشك في ولائهم . فعل أوفقير هذا لأنه يخشى مهدي ولا وجود له في مخططاته المستقبلية عندما سينقلب على الملك . والمؤكد أن محمد أوفقير يعرف جيدا من قتل مهدي.
فشل انقلاب الصخيرات .. أوفقير يسود
في تموز عام 1971 كان الملك الحسن الثاني يحتفل بعيد ميلاده الثاني والأربعون مع ضيوفه في قصر الصخيرات.. حفلة انتهت بأنهار من الدماء، حيث تعرض القصر لهجوم مسلح قاده الضابط محمد اعبابو قائد مدرسة أهرمومو العسكرية ، والجنرال محمد المذبوح.. الهجوم الذي شارك فيه تلاميذ وضباط المدرسة ونفذوا أوامر رئيسهم ؛ فقد غر بهم جميعا فظنوا أنهم في مناورات عسكرية خاصة ، حتى أمرهم أعبابو بإطلاق النار لتسقط عشرات الأرواح من الأبرياء من شخصيات مرموقة مغربية وأجنببة ، وقام الإنقلابيون بالسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون ليبث للمغاربة خبرا مفاده : أن المغرب صار في يد الجيش.. إلا أن خلاف وقع بين زعيمي الإنقلاب محمد عبابو والجنرال المذبوح.. حيث عاتب المذبوح أعبابو قائلا : أنهما لم يتفقا على إطلاق الرصاص، وأنه اعبابو إتخذ قرار منفرد.. طالب منه أعبابو أن يدله على مكان تواجد الملك في القصر، ليرد عليه المذبوح بأن الملك يطلب بوقف إطلاق النار وبعد ذلك سيتنازل عن العرش.. لكن اعبابو لم يصدق شريكه الذي كان ضمن ضيوف الملك في عيد ميلاده، وأصبح كل واحد يشك في خيانة الآخر له، لينتهي المشهد بموت الجنرال محمد المذبوح بعد إطلاق أحد التلاميذ النار عليه بإشارة من اعبابو.. أما نهاية عبابو فقد كانت هوليودية بعدما تلاسنا مع عدوه اللدود العقيد بشير البوهالي حتى أطلقا النار على بعضهما في لحظة واحدة، وماتا معا.. في هذه اللحظة قال الملك ﻟـ وزير الداخلية محمد أوفقير : "أكلفك بكل الصلاحيات؛ أنت اﻵن وزيرا لدفاع، تكلف بإنهاء الأمر " .. وهكذا صار أوفقير وزيرا لدفاع، ليقوم بإنهاء الإنقلاب في ساعات قليلة حيث تم القبض على مئات المتورطين ، وفي أقل في ثمان وأربعون ساعة تم إعدام أكبر جنرالات المملكة ، وآخرون زجى بهم في سجن القنيطرة . ثم صار أوفقير الرجل الثاني في المغرب بعد الملك..
أوفقير يخطط للمجد
طلب الملك الحسن الثاني من محمد أوفقير أن يتكلف بإنهاء إنقلاب الصخيرات، وكلفه بكل صلاحياته ، وكذلك فعل أوفقير، إلا أنه لم يقم بالقبض وتصفية كل المتورطين، بل ترك بعضهم ليوظفه في خططته المستقبلية، وكان أبرزهم العقيد محمد أمقران قائد القاعدة الجوية في القنيطرة، حيث استدعاه أوفقير بعد فشل الإنقلاب بساعات قليلة إلى الرباط.. وبعدما علم أمقران بأن أوفقير يريده في أمر هام ؛ قام بتوديع أصدقائه في القاعدة وقال بالحرف : "إن لم أعد اليوم ؛ فوداعا أيها الأصدقاء " .. كان يعلم أن أوفقير قد يسرق أنفاسه في تلك الليلة التي كان المغرب فيها على صفيح ساخن.
دخل أمقران على أوفقير، فقام الأخير بخلع نظارته وتوجه نحوى أمقران ونظر في عينيه قائلا : "أعرف جيدا أنك كنت على علم بالإنقلاب، وأستطيع الآن أن أقتلك ياولدي ، لكني لن أفعل " . رد أمقران قائلا : "لا تربطني أي علاقة بما حدث ، ولو أردت الإنقلاب على الملك لفعلت هذا مستعينا بقاعدتي الجوية ، فأنا أمتلك أمهر الطيارون وأفتك الأسلحة." انشرحت ملامح أوفقير بعد سماعه لرد أمقران ، وقال بلهجة ودية : "أعرف أنك وطني ولن تترد في فعل ما يجب فعله من أجل مستقبل المغرب." .. وهكذا ابتلع أفقير أمقران في تلك الليلة وأشركه في مسعاه لنيل من الملك ، وستكون قاعدة القنطيرة الجوية أداة لتنفيذ المهمة .. في الأشهر الأولى التي تلت إنقلاب الصخيرات ؛ كان فيها أوفقير يرتاد كثيرا القاعدة الجوية في القنيطرة وأولى لها اهتمام خاص ، بينما كان روائد القاعدة من الشباب الطموح للإقلاع ببلادهم؛ لم يكونوا على علم أن مجيئ أوفقير المتكرر لم يكن بريئا بالبتة ، حيث كان يخطط مع قائد القاعدة أمقران للإنقلاب على الملك والإستيلاء على السلطة.. وبدأ أفقير بتحسين أحوال القوات العسكرية ليضمن ولاء الضباط له على حساب الملك. وهنا قد يسأل سائل ؛ أين كان الملك والمخابرات في الوقت الذي كان فيه أوفقير يحضر لكي يرد ثاني أقدم مملكة في التاريخ إلى جمهورية ؟. الحقيقة أن المخابرات المغربية حذرت الملك من أوفقير بأنه يدبر شيئا في الخفاء ، إلا أن الملك كان يثق بوزير دفاعه وينصاب إلى تعليلات الجنرال ؛ أن كل ذلك ما هو إلا صناعة أعدائه، فهو ملكي أكثر من أي مغربي آخر ولن يخون ولي نعمته.
عملية البراق إف 5 .. البوينغ الملكية تشتعل في عنان السماء !
بعد فشل انقلاب الصخيرات ؛ واعتلاء أوفقر مركز وزير الدفاع، كان همه الوحيد هو القضاء على الملك والقبض على السدة في مملكة الشمس.. كانت خطته تتمحور في قصف طائرة الملك في الجو أثناء عودته إلى الوطن.. وكما أسلفنا فإن قاعدة القنيطرة الجوية هي منبت الجرم وهناك كان يحبك.. وقبل تنفيد الإنقلاب بشهر واحد، دخل طرف ثالث في الخطة وهو الرائد الوافي قويرة الرئيس الثاني للقاعدة ، بينما باقي الرواد يجهلون ما يدبر في الخفاء..
بعد عام كامل من محاولة الإنقلاب الأول، وفي 27 يوليوز 1972 ودع أوفقير الملك الحسن الثاني في طنجة أثناء رحلته إلى فرنسا.. في هذا الوداع لفت أوفقير الأنظار عندما بكى أثناء التوديع ، كان يعلم أن هذه أخر مرة سينظر فيها في عيني ولي نعمته.. في 16 أغسطس كان الملك في طريق العودة من فرنسا إلى المغرب عبر طائرة بوينغ 727 بعدما تلقى تحذيرات من المخابرات أن هناك تحركات مريبة داخل الجيش ، وأثناء العودة توقف في برشلونة الإسبانية ثم أقلعت الطائرة من جديدة ، وكان الملك الحسن الثاني يطلب من الرائد محمد قباج تغير مسار الطائرة كل حين . في هذه اللحظات كانت ست مقاتلات من نوع "نورثروب إف 5" أقلعت من قاعدة القنيطرة الجوية ثلاثة منها مسلحة، تحوم حول سماء مدينتي طنجة و تطوان بانتظار قدوم طائرة الملك.. ويذكر أن رواد المقاتلات الغير مسلحة لم يكونوا على علم بأمر الإنقلاب ، ومن بينهم قائد السرب الرائد صالح حشاد، فقد ظنوا أنهم في عملية خفر إعتادوا القيام بها.. حتى ظهرت الطائرة الملكية في الأجواء المغربية ، في هذه الأثناء أصدر أوفقير الأمر الناهي بإطلاق الرصاص على الطائرة الملكية ، ثم انطلق الرعب في عنان السماء ! البوينغ 727 بمن فيها ؛ الملك الحسن الثاني وعائلة وحاشيته تحت رحمة النيران على بعد كيلو مترات قليلة من مطار الرباط.. أدى القصف إلى إندلاع النيران في محرك الطائرة وعطل الآخر، لتبقى الطائرة بمحرك واحد وسحابة من الدخان تندلع منها.. فتوقفت ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﻟﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﻄﺎﺋﺮﺓ وفقدت البوينغ 727 علوها، ثم بدأت تترنح في الجو . وكان قدر الركاب أن الطائرة ستنفجر في أي لحظة ، ﻭ في هذه اللحظة قال الرائد محمد قباج الذي كان يقود الطائرة المستهدفة للملك الحسن الثاني : "يا صاحب الجلالة، ربما ستسقط الطائرة ولن أستطيع فعل شيء !".. رد الملك بعزم ورباطة الجأش : "لن تسقط الطائرة ؛ أنا ملكك معك، لا تخف ، استمر في القيادة".. وبدأ الملك يطوف حول الركاب وهو يردد : "لن تصابوا بأذى" .. ويعدهم بالنجاة رغم كل الأهوال التي تحيط بهم . في هذه اللحظات كان نسبة نجاة الطائرة - التي قدرت فيما بعد - واحد من مليار ! إلا أن المعجزة قد حصلت، وهبطت الطائرة الملكية في مطار الرباط.. بعد ذلك أمر اوفقير بقصف المطار ثم القصر الملكي برباط . لكن الملك خدعهم بموكب مزيف تركه طعما لهم ، فتوجه على متن سيارة مدنية إلى قصره بالصخيرات . في الأخير نجى الحسن الثاني وفشلت خطط أوفقير.. في تلك الليلة أمر أوفقير الجنرال بن عبد السلام القائد الثاني للقوات الجوية بذهاب إلى قاعدة القنيطرة ودبح كل من فيها ؛ من طيارون ومسلحي الطائرات والعاملين في برج المراقبة وعمال بسطاء . أن لا يترك نفسا حية هناك، حتى يغسل أوفقير نفسه من أثر الجريمة وأي دليل يدينه ، وبعد ذلك سيتوجه أوفقير إلى الملك ليخبره أن كل شيء بخير، وأنه قام بالقضاء على كل المتآمرون كما حدث في انقلاب الصخيرات قبل عام بتمام ، إلا أنه لم يكن يعلم أن القاعدة الجوية حينها كانت محاصرة بالمدرعات، أما شريكه محمد أمقران ؛ فقد هرب الى جبل طارق عبر طائرة عمودية بعدما تيقن أن الفشل حليف اللانقلاب ، لكن المصيبة الفادحة للجنرال؛ هي أن الرائد الوافي قويرة الذي كان ضمن سرب المقاتلات التي قصف البوينغ 727 قفز بالمظل من طائرته وقبض عليه رجال الدرك وسلموه للملك ؛ واعترف بكل شي.
محمد أوفقير .. أي نهاية ؟
ذهب أوفقير إلى القصر الملكي بالصخيرات ، لإستكمال خطته البديلة بعد الفشل ، ولم يعد إلى الأبد . فما الذي حدث ؟
يقول الملك الحسن الثاني :
لقد ظل مختفيا، إلا أن جاء إلى القصر الملكي بالصخيرات ليعرف ماذا جرى لي . كنت أستحم وولدتي هي من استقبلته ، فانحنى لتقبيل يدها، فصرخت في وجهه : "ماذا حدث هذه المرة أيضا؟ لماذا لا تتركون أنتم الجنود ابني وشأنه؟ ماذا فعل بكم؟" .. فأجابها أوفقير بكل وقاحة : "لالة ؛ أقسم لك أنه لا دخل لي في ذلك ، وكما سترين فسيحملونني مرة أخرى مسؤولية ما حدث." وجاءت والدتي لتحكي لي ذلك. وكان ذلك اعترفا منه بجريمته ، لقد انصرف أوفقير إلى حال سبيله، ثم انتحر.
تقول أرملة أوفقير :
في مساء يوم الإعتداء نفسه ، ذهب أوفقير في منتصف الليل إلى قصر الصخيرات الذي دعي إليه ، وهو يعلم أنه ذاهب لموت محتم، وواجه أعدائه بشرف وشجاعة . روى لنا سائقنا كيف سارت الأمور . كان العقيد - حينها - أحمد الدليمي في باب القصر يستقبل أوفقير ، فاستغل ذلك ليجسه ليتأكد أن الجنرال لا يحمل مسدسا، وبتأكيد لم يكن أوفقير يحمل سلاحا ، لقد جاء ليموت . أدخل من قبل الدليمي إلى حجرة كان فيها الملك وعبد الحافظ العلوي ، وقتل زوجي أمام أنظار الملك. باشتراك فعال من قبل هذين الشخصين ؛ الدليمي والعلوي.
يقول جيل بيرو :
إن العقيد الدليمي أستدرج أوفقير حيث قيل له إن الملك مصاب إصابة خطيرة في منزل قرب المطار . ذهب أوفقير إلى هناك؛ فقتل على يد الدليمي والعلوي. ثم أعادو الجثة إلى قصر الصخيرات لإستكمال السيناريو.
نعود إلى أرملة أوفقير، حيث قالت :
كلف شقيق أوفقير طبيبا فرنسيا لإجراء الكشف على الجثة ، وجاء التقرير الطبي دامغا ؛ قتل الجنرال بخمس طلقات ؛ واحدة في الكبد ، واحدة في القلب ، واحدة في الرئة اليسرى ، واحدة في الدراع اليمنى ، وطلقة الرحمة في الصدر.
في اﻷخير مات أوفقير، وكيف حصل ذلك؟ العلم عند الله.
ختاما :
ويبقى السؤال : كيف لم تستطع ثلاث طائرات حربية مسلحة اسقاط الطائرة الملكية ؟ أي معجزة هذه التي قادت البوينغ 727 لتهبط بسلام على الأرض، بعدما كان احتمال نجاتها واحد من مليار ؟.
يقول الملك الحسن الثاني :
إن ما قام به ربان هذا السرب ؛ لا يجعلني أفتخر بربابنتي، لأنهم كانوا يطلقون النار على طائرتي بشكل عشوائي ينم عن غباوة .
إلا أن هناك أسباب حكمت على هذه العملية بفشل شنيع.. أولاها عدم التنسيق ، فقائد السرب صالح حشاد لم يكن على علم بالعملية، وطائرته لم تكن مسلحة .. أما الرواد الذين وكلت إليهم الطائرات المسلحة فأحدهم يدعى زياد، لم يعلم بالمخطط سوى قبل التحليق بلحظات ، والثاني يدعى بوخاليف، الذي نجح في إصابة طائرة الملك ، فقد وصلته التعليمات بإطلاق النار في الجو ! ليبقى قويرة هو الوحيد الذي كان يعلم بالإنقلاب قبل شهر واحد.. ويذكر أن هؤلاء الثلاثة مع رئسهم أمقران تم إعدامهم صحبة ثمانية أشخاص آخرون.. لتبقى المفارفة العجيبة ؛ لماذا لم يشرك أفقير وأمقران معهما قائد السرب الذي قصف طائرة الملك، ورئيس العمليات في القاعدة ، الرائد صالح حشاد ؟ الذي كان آنئذ أفضل طيار في المغرب ، لما لا وهو أول رائد أجنبي في التاريخ يشارك في استعراض جوي للقوات الجوية الأمريكة بعد التخرج . إلا أن إذا ظهر السبب زال العجب ، فالرائد حشاد آمره أمقران بلإقلاع بعدة مقاتلات وقصف قصر الصخيرات أثناء الإنقلاب الأول الفاشل الذي خطط له العقيد أعبابو رفقة الجنرال المذبوح، إلا أن صالح حشاد رفض طلب رئيسه حينها معللا أنه لن يقتل الأبرياء.. وهذا الذي جعل أمقران وأوفقير يستغنيا على الرائد الأفضل في البلد . ويقال ان أمقران بعد فشل الإنقلاب وهروبه على متن طائرة عمودية إلى جبل طارق صحبة طيار آخر في القاعدة ؛ كان يلطم نفسه وهو يردد : "لماذا لم أشرك معي حشاد لماذا؟" .. والشيء المؤكد أنه لو شارك الرائد صالح حشاد في العملية ؛ لاتغير تاريخ المغرب .
نعود إلى أوفقير ، فقد كان يجهز لتصفية كل رواد القاعدة حتى لو نجح الإنقلاب؛ ومن بينهم شريكه محمد أمقران ، حتى يخلو له السبيل لوحده ، إلا أن شريكه أمقران كان يفكر بنفس المنوال ،حيث اتفق مع المعارضة بتصفية أوفقير بعد الإنتهاء من الملك.
(كلمة)
ماذا يعني أن ثلاث طيارون في أعلى مستوى، ويقودون ثلاث مقاتلات مسلحة تعتبر من الأجود في ذلك الوقت، فشلوا في إسقاط طائرة مدنية ؟. وكما قال الملك ؛ هذا لا يجعلنا نفتخر بربابنة بلدنا.
وسؤال آخر يلوح هناك : ماذا لو نجح الجنرال محمد اوفقير في مسعاه بكل شيطانيته وغدره وخيانته وجبروته وزبانيته ؛ ياترى كيف سيكون حالنا اليوم ؟.
الكاتب محمد بنصالح
bensalahsimo018@gmail.com
يا إلهي !!! ماهذه الفضاعات
ردحذففظيع.. تسارعت دقات قلبي وأنا أقرأ المقال، ما هذا الوحش؟.. أصلا سيماهم في وجوههم ووجهه يرشح شرا ودموية..
ردحذفميدان السياسة ساحة قذرة، الغاية فيها تبرر الوسيلة و ما فعله هذا الرجل قمة الانحطاط، كلمة خائن قليلة بحقه فعلا انه شيطان..
أما كيف نجا الملك من قصف الطائرات فتلك قصة أخرى!، سبحان الله حتى لو كان القصف غير إحترافي، فسقوط الطائرة ونجاتها بمن فيها مدعاة للعجب!
أنتظر المقال الثاني عن هذا الشيطان الآخر وبالطبع المغرب ليست حالة منفردة، فكثيرون من هم على شاكلة أوفقير وصحبه..والتاريخ يعج بأمثال هاته القصص..
تحياتي:)
التعليق الأول .. شكرا على مرورك زائري الكريم
ردحذفأختي وفاء
نعم ميدان السياسة جد قذر، ولا نعرف حاليا ماذا يدبر في الخفاء ؟
أما نجاة الطائرة فهو أمر خارق لطبيعة ؛ وفي الأخيرة الأعمار بيد الله .. وإلا الآن مازال مصير هذا الرجل مجهول
وطبعا كل دول العالم كان فيها يوما أو لربما مازال فيها الشياطين اللاهثين خلف السلطة
شكرا أختي وإن شاء الله يعجبك الجزء الثاني
كل هذا حصل في المغرب وانا نائمة ههههههه استمتعت كثيرا وكاني اشاهد فيلم
ردحذففي انتظار الجزء الثاني
شخصيا كل هذه المعلومات اطلعت عليها خصوصا و انا في رحلة بحث عن بعض القطع المفقودة و منها اغتيال بن بركة و كيف اختفى الدليمي..
ردحذفو لماذا تم ارسال ضباط الى تازمامارت رغم انهم لو شاركو في الإنقلاب لنجح كالربان الرائد صالح حشاد و مبارك الطويل المكلف بتسليح الطائرات..
امور شائكة و شهادات مفقودة او تم اخراسها او ربما التخلص منها في نسخ اخرى من تازمامارت.
على أي نحمد الله على عصر محمد السادس.
يشبه الحجاج بن يوسف الثقفي في جرائمه
ردحذفكنت اسمع عن اوفقير وخيانته من وأنا صغيرة لكن لم اتوقع أنه شيطان وكنت بمدينة الرباط وكان التفتيش في كل الأحياء واسمع أن جنرال يريد قتل الملك المغفور له الحسن الثاني كان إما محظوظ أو محفوظ من عند الله وأظن أنه كان محفوظ لأنه كم مرة نجى من الاغتيال وسبق أن قرأت عن بوخروبة الملقب بومدين عندما استأجر القاتل كارلوس الفنزويلي لإغتيال الحسن الثاني وفشلت خطته وما افرحني نال جزائه بوخروبة ليس على يد الحسن الثاني لهاذا أقول أن المرحوم الملك الحسن الثاني كان محفوظ من عند الله تعالى لأسباب كان يعلمها الله سبحانه وتعالى
ردحذف