من أين جاءت المدن المغربية بأسمائها ؟
ويحدثُ أن نلقى أنفسنا نتساءل، ترى ما معنى اسم هذه المدينة أو تلك؟ وكيف أن وُضع لها هذا التعريف لتحمله، ربما، إلى الأبد؟ وهناك الكثير من سكان المدن يجهلون سبب تسميّة مدنهم، أو لم يلقوا بالأهميّة لذلك. في هذا المقال سنتعرف على معاني أسماء أكبر المدن المغربية. ونكشف حقيقة تعريف المدن وحكايات اسمها.
أكادير : حكاية مخازن أمازيغية
أكادير، المدينة التي تعيش مبانيها في سن الزهور، فهي بالكاد وصلت لستة عقود، بعد أن بُعثت من رمادها وحجرها المنهار، جراء زلزال عام 1960 الذي أفنى معظمها. يعود التأسيس الأول لمدينة أكادير عام 1540م وهي كبرى المدن الأمازيغية في المغرب، وإذ ذاك فإن اسمها أمازيغي قح، يعود لقرون مضت. فماذا يعني أكادير؟
أكادير بالأمازيغية، هو المخزن أو الحصن. في القديم كانت قرى الأمازيغ في وسط المغرب تحديدًا، يُشيّدون في الجبل الوعر حصون لتخزين مؤونتهم، من القمح واللوز والأركان والزيتون وغيرها. وكان لكل أسرة جناح خاص بها، ويطلقون عليه، إكودار igodar، أي الحصون، وهو جمع أكادير agadir، وهكذا سُميّت مدينة أكادير بهذا الاسم.
تطوان : أرض ينابيع الماء
تطوان، الحمامة البيضاء التي ترسو على طليعة الجبل. تأسست المدينة عام 1490م وتعد أحد مواقع التراث العالمي في المغرب، وهي تقع في أقصى الشمال على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. تأثر اسمها كذلك بالأمازيغ، الذين يعيشون في شمال المغرب، وكان اسمها الأصلي، تِطاوين، أي جمع اسم تطوان، قبل أن يتم تعديله. ومعنى تطاوين، هي العيون بالأمازيغية، وهنا لا يُقصد بها حاسة البصر، لأن العين في اللغة العربية تملك دلالة أخرى، وهو الماء الذي يأتي من المياه الجوفية، فمدينة تطوان تشتهر بكثرة ينابيع الماء القادمة من الأرض، وأشهرها، عين بوعنان.
مراكش : نزعات الاسم ومرادفات المغرب
تأسست مدينة مراكش عام 1070م وهي إحدى العواصم المغربية التاريخية، كما تندرج ضمن مواقع التراث العالمي. أما حكاية اسم هذه المدينة، فقد اختلف فيه المؤرخين، فيما ذهب بعضهم أنه اسم أمازيغي معناه أرض الله، فيما رأى آخرون، أن اسم مراكش كان يُقصد منه "مُر بسرعة" بالأمازيغية (مر كش) وهذا بسبب كثرة قطاع الطرق في تلك الأرض، ما جعل السكان المحيطين بها يطلقون عليها هذا اللقب. إلا أنّ اليوم لا وجود لهذا اللفظ عند أمازيغ المغرب بكل أطيافهم، لكن تم تعليل ذلك أنه يعود إلى ألفاظ أمازيغية متداولة قبل تأسيس مراكش، أي قبل أزيد من ألف عام. لكن هناك فريق يرفض أن يكون اسم مراكش من كلمتين، ويصر على أنه كلمة واحدة دون أي تعقيدات لغوية، فنلقى على سبيل المثال، في بعض الكتب التاريخية، حكاية أقل تداولاً عن سبب تسمية مراكش، وهي تعود إلى عبد أسود كان يسكن في تلك الأرض، واسمه مراكش. الواضح أن من المحال حسم سبب تسمية مدينة مراكش، وما هو مؤكد ولا ريب فيه، أن اسم المغرب باللغات اللاتينية مشتاق من مراكش، وهو بالإسبانية، ماريكوس. بالإنجليزية، موروكو. وبالفارسية اسم المملكة المغربية، هو مراكش دون أي تحريف، ما يزكي تأثير هذه المدينة على تاريخ المغرب.
الرباط : حصون على ضفاف الأطسي
صومعة حسان آخر ما تبقى من أنقاض مسجد بني عام 1147م بعد أن دمره الزلزال
تأسست مدينة الرباط عام 1150م، وهي العاصمة الحالية للمملكة المغربية، كما تُعد تراثًا عالميًا. يعود أصل تسميتها، إلى ما يرادف اسمها في المعجم العربي، فاسم الرباط ارتبط بالأسوار العالية الحاصنة للمدينة، والتي تدفع عنها هجمات البرغواطية، وحماية الجيوش الإسلامية التي كانت تنطلق من الرباط نحو الأندلس، في زمن يعقوب المنصور. أما عن تسميتها، فتدل أن المدينة ذات الأهمية الكبرى في زمنها، وقد تم وثَقّها جيدًا أو ربطها. وكان اسمها في البداية، رباط الفتح، قبل أن يتعدل مع تعاقب القرون، ليغدو كما نعرفه اليوم، الرباط.
مكناس : قبيلة أنشأت مدينة
باب منصور تم اكمال بنائه عام 1739م
تأسست مدينة مكناس عام 711م على يد قبيلة أمازيغية تدعى مكناسة، ومكناس تنضاف إلى المدن المندرجة في التراث العالمي، كما تُعرف كذلك بأنها إحدى العواصم المغرب التاريخية، بل أكثر من هذا، فالمدينة هي من رصعّت أسس النظام الحالي في المغرب، الحكم العلوي أو الدولة المخزنية، على يد أحد جبابرة العرش المغربي وأعظم شخصيات المدينة، المولى إسماعيل. وأصل تسمية مكناس لا يحتاج إلى الكثير من التفسير، فهو آتٍ من مؤسسيها، قبيلة مكناسة، التي كانت تسيطر على أغلب الأراضي المغربية قبل تأسيس النظام في المغرب عام 789م ميلادي أو الدولة الإدريسية.
إفران : كلمة أمازيغية ترتبط بالمكان
إفران هي أكثر مدن المغرب حداثة، فقد تأسست المدينة عام 1932 في منطقة جبلية من سلسلة جبال الأطلس المتوسط باتجاه غربًا، والذي يكثر فيها تساقط الثلوج في فصل الشتاء، وهبوط دراجات الحرارة إلى تحت الصفر. ومعنى اسم إفران، نلقاه في اللغة الأمازيغية، ألا وهو الكهوف. وتجدر الإشارة أن قبل عام 1993، كان اسم المدينة يُكتب بطرق مختلفة، مثل، يفران، إفران، يفرن، حتى ذلك العام تم إصدار مرسوم وزاري حدد صياغة اسم المدينة بشكل قطعيّ: مدينة إفران. لكل من يهوى الثلج والبرد، ومهابة الشتاء في جنون الزمهرير.
طنجة : تاريخ مسكون بأسطورة
كذلك مدينة طنجة من المدن التي لم يُحسم في أصل تسميتها. المدينة الملقبة بعروس الشمال، يعود تاريخها إلى 1300 عام قبل الميلاد، وبذلك هي أقدم المدن المغربية المستمرة حتى الآن، وهذا راجع للأهمية الكبرى لموقع طنجة الجغرافي عبر تاريخ البشرية. فالمدينة تقع بين قارتين أفريقيا وأوروبا وتطل على بحرين، وتبرز في مضيق جبل طارق حيث تمر السفن منذ أن وُجدت، ولا توجد حضارة بشرية لم تمر على محاذاة أرض طنجة. وإذ ذاك التاريخ الطويل، نلقى أن حكاية اسمها قد اختلف فيه الناس، فطنجة مسكونة بالأسطورة والغموض منذ الأزل، وقد تعددت الحكايات عن أصل التسمية، وقيل أن له صلة بأساطير الإغريق، وقد ذكرت كتب الميثولوجيا الإغريقية أرض طنجيس. إلا أن أشهر الحكايات عن أصل تسمية طنجة، يحكي رُواتها أنه مستوحى من اسم والدة الملك الأمازيغي سوفاكس، التي تُدعى طنجيس. وقد اكتشف الملك سوفاكس أرض طنجة في عام 1300 ق م ووضع حجر أسسها لتغدو مدينة، ثم بسط سلطانه عليها. حكاية أخرى، أقرب للأسطورة ولا يُعتمد عليها، إلا أن لها صدىً، وهي عن سفينة نوح، التي يُقال أنها تاهت في مجاهل البحار، حتى ظهرت نوارس ترسو على السفينة وعلى أرجلها طين مبلل، فصرخ أهل السفينة فرحًا باقتراب اليابسة والنجاة من مياه المحيط، فقالوا: "الطين جا.. الطين جا" أي أتى الطين، أتى الطين، وهو علامة على قرب النجاة، وهكذا وصلت السفينة إلى اليابسة، وأطلقوا عليها طنجة، تيمنًا بصرخة نجاة أهل السفينة: "الطين جا".
فاس : الفأس الذي وضع أُسس المملكة المغربية
ضريح المولى إدريس
مدينة فاس، مهد الدولة المغربية والعاصمة الأولى والتاريخية للبلد. تأسست المدينة على مرحلتين، الأولى عن طريق أول حاكم للمغرب، إدريس الأول عام 789م ثم جرى توسيعها عام 808م على يد الابن إدريس الثاني. أما عن سبب تسمية فاس، فقد رويّت فيه أكثر من رواية، أكثرها تداولاً، نلقى ما يرتبط بالفأس.
قيل بأن أثناء توسيع المدينة، صنع خدام السلطان إدريس الثاني، فأسًا ذهبيًا وقدموه له. إلا أن السلطان شمر على دراعيه وبدأ يشتغل مع العمال بذلك الفأس الذهبي، وصار لذلك الفأس قيمة كبيرة في ورش العمل، فالكل يعتني بالفأس الذهبي خشية أن يضيع، فكثر سماع: هات الفأس، امسك الفأس، ارجع الفأس. ومنه جاء اسم مدينة فاس. الرواية الثاني تحوم حول الفأس كذلك، لكن هذه المرة، يُعتقد أنه وأثناء الحفر لتوسيع المدينة، عثر العمال على فأس مدفون، وعليه جاء اسمه فاس.
شفشاون : اُنظر لرؤوس الجبال ألا تبدو كالقرون؟
شفشاون، أكثر المدن المغربية تميزًا، والتي تنهمر بناياتها الزرقاء الفريدة من نوعها على جبال الريف. تأسست المدينة عام 1441م على يد عسكري مغربي اسمه مولاي علي بن راشد، وكانت الغاية منها هي إواء المسلمين العائدين من الأندلس بعد سقوطها، وأما عن اسم المدينة، فلا تختلف قصته عن أغلب أسماء باقي المدن، ألا وهو ارتباطه بالأمازيغ. وشفشاون، تعني بالأمازيغية أنظر للقرون، أو بالمعنى الحرفي (شُف إشاون) ويقصد منها أن المدينة تظهر بين رؤوس الجبال الحادة، ما يحي لناظريها، كأنها تطل بين القرون.
الدار البيضاء : من منزل أبيض وحيد إلى سُدّة المدن
مدينة الدار البيضاء، أو كازابلانكا. هي كبرى المدن المغربية وأهم مدينة في البلد. كان اسم المدينة الأصلي "آنفا" ويعني بالأمازيغية، التّلة، ومازال إلى يومنا هذا يوجد حي آنفا في المدينة البيضاء، ويعود وجود آنفا إلى عام 769م وكانت قرية تطل على مياه الأطلسي، وسرعان ما كبرت آنفا بسبب موقعها المتميز جنب البحر وصارت مدينة صغيرة، وكان على مقربة منها، منزل مطلي بالأبيض وقد تُرك وحيدًا، يمر عليه الناس باتجاه آنفا أو عائدين منها، وصار الموقع يعرف بالمنزل الأبيض. كما يتراءى بياض تلك الدار للسفن التي تمر بمحاذاة الشاطئ، وكانت سفن البرتغاليين هي التي تمر بأعداد أكبر، فأطلقوا على المكان، كازابلانكا، وتعني الدار البيضاء بالبرتغالية، ومنذئذ سار العرف أن كل منزل يشيد في تلك الأرض، عليه أن يطلى باللون الأبيض، حتى طغى البياض واستكبر، فمحى اسم مدينة آنفا من الوجود، لتُسلطن جحافل من المباني البيضاء. وتلك حكاية مدينة، اسمها على مسمى.
تعليقات
إرسال تعليق