عشرين عاما


ها هو ذلك العام البعيد قد نصب الخيام، وحل بحلل تجدد كل سنة : تفاؤل وأمنيات. ألفين وعشرين يا صاح لم يعد بعيدا، لا بل ستراه في شاشة هاتفك كل صباح، وتمسي عليه كذلك. أتساءل كيف تعاقبت عشرين سنة على الألفين؟ أكاد لا أصدق!. في شتنبر القادم - بإذن الله - سيكون قد مر عشرون سنة على عمر ذاكرتي الحية في هذا العالم.. في أواخر عام الألفين، تعرفت على المدرسة لأول مرة، ومنذئذ صارت علبة ذكرياتي تكتنز اللحظات.. كانت أول أستاذة أجلس لأقابل قامتها جنب سبورة سوداء : صفاء العلاوي، من مدينة القنيطرة، طويلة بيضاء مملوءة، ذات عيون واسعة في وجه مستدير يعلوه شعر غزير يتدفق ليلحق بخصرها، يقدر عمرها في أواخر العشرينات، ببساطة قمر مكتمل يشاركنا حجرة الدراسة.. ما تزال أوصافها حاضرة في ذهني وإن كنت يومها بالكاد أقترب من سبع سنوات..  ترى ماذا فعلت بك عشرين سنة يا صفاء؟ أما زلت قمرا، أو للعقدين رأي مخالف؟ أما أنا، تلميذك المفضل ذو الخط الجميل والقبيح في الإعراب والمحفوظات؛ ما زال حولي أصدقاء ومعارف كثر؛ إنما قد صرت أستلذ الزمن من الوحدة أكثر.. خلال العشرين سنة نلت الكثير وفقدت الكثير.. أعيش في مدينة عملاقة تكبر كل ثانية، وقد يحدث أن لا أجد فيها من يؤنسني، ويبدو لي الناس في شوارعها تطوف كالسراب، وأصواتهم ضجيج أحاول الهروب منه، حتى قد تراني أجلس في الركن البعيد في مقهى فخم، ألبس ثوب الوحدانية الوقار، ويشاركني الطاولة حاسوبي الأبيض الصغير يجثو محملقا إياي، وإلى جانبه مفاتيح شقتي نائمة أو فاقدة للوعي، وعلى يميني كأس إدماني، لا أقصد خمرا ولا معارفه، قهوتي لا غير، أرتشف منها السواد، كأني كل برهة أتذوقها لألقى فيها طعما متجددا، ولا أسترق نظرة إلى الساعة الأسيرة في معصمي، ربما الوقت لا يعنيني، فلا يشغل بالي ميعاد، وقد أغيب دونما حاجة لورقة غياب.. نعم يا أستاذتي،  تمر بي لحظات أشعر بأني عجوز أرمل أرهقته الأزمان، حتى كف الوقت لدنه بأن يكون هو الوقت، فما عاد له عقارب.. لا أعرف هل ما زلت حية يا صفاء أو لا وجود لك في هذه البسيطة، إنما كلاهما سيان، فلا أحدث سوى طيف بعيد، يعود إلى عشرين سنة قد خلت، ملامح انسان تأبى أن تتخلى عن ذاكرتي، تلك ملامح طبعت في زمن البراءة والبساطة ثم كان لها طعم الخلود.. واليوم قد أيقنت أن بيني وبين أيامك، عشرين سنة بنهاراتها ولياليها، شموسها وأقماراها، قيظها وصقيعها. هل كنت أقول شيئا يا ناس؟ عذرا من كل هذه الثرثرة اللافائدة، وكل عام وأنتم بألف خير.


#محمد

تعليقات

  1. سنة سعيد عليك أخي محمد لقد أعجبتني هذه الخاطرة وأضحكتني هذا الوصف .. إلى جانبه مفاتيح شقتي نائمة أو فاقدة للوعي .. هههههههههههههههه كان وصفا غريبا وفي نفس الوقت دقيقا لأن المفاتيح على الطاولة تبدو كأنها فاقدة للوعي ههههه بالمناسبة لقد قرأت جميع أجزاء قصتك الأخير وقد جهزت تعليقا كبيرا لكنه لم يود النشر !! حتى تعبت تعرف أن لا أريد نشر بريدي الإلكتروني المهم لقد أعجبتني القصة كثيرا وأحزنتني النهاية لم أكن أود أن ينتهي البطل في السجن وأيضا كان علامات استفهام كبيرة في القصة مثلا هل فعلا البطل كان قاتلا ؟؟؟ هل هو من قتل تاجر المخدرات التطواني ؟؟؟ عموما لقد أبدعت في التشويق والأسلوب وكل شيء في انتظار قصة مماثلة
    دمت بخير
    شادية

    ردحذف
  2. أهلا شادية وكل سنة وأنت طيبة.. واتمنى لك عام سعيد مليئ بالمسرات.

    أرأيت كيف أصف المفاتيح ؟ إلى متى سأظل متواضعا معكم ؟ ^^ - في إطار بعض المزاح المبتذل - ههه

    أشكرك حقا لأنك نبهتني بأن هناك مشكلة في التعليقات، أنا لم أنتبه لذلك.. عموما لقد أصلحت الخلل وآسف على هدر تعليقك الطويل ^^ وطبعا أتفهم عدم تعليقك بالبريد.

    فيما يخص القصة، فأنا أحاول دائما أن أجعل القارئ يفكر قليلا.. قد يحدث أن لا أجيب عن كل تساؤلاته، لكني أضعه في الصورة.. نعم قد يكون أنور قاتلا، وقد يكون لا، كل قارئ وكيف سيراه. شكرا على الاطراء، وعلى أمل أن أبقى عند حسن الظن.. أووه نسيت : أعتذر عن الرد المتأخر آنسة شادية.. لم أنتبه حتى اﻵن ! أبله ميؤوس منه أنا ^^.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

أغرب القصص في الإنترنت المظلم -1-