المشاركات

كان أنا !

صورة
وقفتُ قبالة المرآة، لألقيّ نظرة على نفسي، بعد سنين من الهجر، منذ ربيع الشباب وزهرته الفواحة لم أحدث نفسي وجهًا لوجه، إلى هذه اللحظة، أقف لأرايْ. رمقتني نظرة غائرة مُريبة، جعلتني أتراجع بخطوة إلى الوراء، فتراجعت بدورها دون أن تزيغ عني، أحاول جمع شتات ذهني لأتعرف على صاحب هذه النظرة الذي يُقلد حركاتي، أكشر فيُكشر، أرفع حاجباي فيفعل! كدتُ أسأله من يكون ولِم ملامحه تنطق بالمشقة، كأن السماء تُمطر عليه بالبلاء كل يوم. قبل أن تتمخض نباهتي متأخرة. آهٍ، إنه أنا ! صاحب الوجه الذي لم أتعرف عليه قبل قليل، كان أنا. فتسطع الحقيقة بنورها الرباني، بعدما كان الوهم دربًا، سبيلٌ يستنزف وقت كل الأحياء، فيمر الزمن دون أن يكون له أي داعٍ، ثم لأصير غير ما أنا عليه، أن أتواطأ مع الكذبة الصادقة في مُخيّلتي، أنني بخير. صوت أحدهم واقف إلى جانبي، يقول: منذ متى؟ - منذ زمن بعيد ! صمت، وهو يشاركني النظر إلى ذلك الشخص الذي هلّني في المرآة وهو يقلد كل حركاتي. - إني على علم أيها السيد أن وقت الاستدراك قد مضى. فرحل. وجاء كهل نحوي يمشي على مهل، أو تراه يدفع بخطواته الثقلية، ويبتغي بدوره النظر في مرآة الحق، حتى وصل عند

من أين جاءت المدن المغربية بأسمائها ؟

صورة
ويحدثُ أن نلقى أنفسنا نتساءل، ترى ما معنى اسم هذه المدينة أو تلك؟ وكيف أن وُضع لها هذا التعريف لتحمله، ربما، إلى الأبد؟ وهناك الكثير من سكان المدن يجهلون سبب تسميّة مدنهم، أو لم يلقوا بالأهميّة لذلك. في هذا المقال سنتعرف على معاني أسماء أكبر المدن المغربية. ونكشف حقيقة تعريف المدن وحكايات اسمها. أكادير : حكاية مخازن أمازيغية أكادير، المدينة التي تعيش مبانيها في سن الزهور، فهي بالكاد وصلت لستة عقود، بعد أن بُعثت من رمادها وحجرها المنهار، جراء زلزال عام 1960 الذي أفنى معظمها. يعود التأسيس الأول لمدينة أكادير عام 1540م وهي كبرى المدن الأمازيغية في المغرب، وإذ ذاك فإن اسمها أمازيغي قح، يعود لقرون مضت. فماذا يعني أكادير؟ أكادير بالأمازيغية، هو المخزن أو الحصن. في القديم كانت قرى الأمازيغ في وسط المغرب تحديدًا، يُشيّدون في الجبل الوعر حصون لتخزين مؤونتهم، من القمح واللوز والأركان والزيتون وغيرها. وكان لكل أسرة جناح خاص بها، ويطلقون عليه، إكودار igodar، أي الحصون، وهو جمع أكادير agadir، وهكذا سُميّت مدينة أكادير بهذا الاسم. تطوان : أرض ينابيع الماء تطوان، الحمامة البيضاء التي ترسو على طلي

بكيتُ فابتسمت

صورة
كنتُ أبكي. أبكي بلا حزن على فقيد، ولا هجرة حبيب.  وهكذا عبثًا، حبات دمعي يطيب لها أن تحرق وجنتي! فماذا دهاني؟ أي مصاب جعل عينان تنطقان دمعًا؟ لا أدري ماذا حل بي، ودموعي تجري دون الشعور بما يستدعيها، وبديْمومتها، أيقظت - عنوةً -  في ذاكرتي كل ما مر عليّ من أحزان وأهوال، من يوم ودعت جدتي وشيْب رأسها يظهر تحت الكفن بينما عمي يعقده، والكل يتهيأ لكي تُرسل الجدة لملاقاة الأبد. يا له من رعب على طفل غرير يشهد على مراسم أعظم وداع، يحدث مرة واحدة في حياة الإنسان. خرجت جدتي محمولة من الباب ولم تدلف منه بعدُ كما دأبت وعكازها يسبقها، فرحلت عني قطع الحلوى وحبات البرتقال، كما سقط درْعي الذي يحصنني من أحذية أمي. كانت لحظة حزن عجيب على طفل يبكي رحيل جدته، والذي علم بشكل أو بآخر،  أنها لن تعود هنا، وبدأ يستوعب وجود شيء، اسمه الموت.  تذكرت كذلك حزني على حبي الأول وأنا في السنة الثانية ابتدائي، يوم نفرت حسناء بعودها وهاجرتني عند زميل كان يملك حقيبة مدرسية ذات عجلات. منذئذ بدأت أتعلم كيف أن الحب - أحيانًا - يُرادف المادة. حسناء كانت أمام خياران، أنا أو أنس، فاختارت أكثرنا ترفًا. لم أكن ألوم حسناء رغم حزني

رحيل الأثير الحزين عبد الصادق بنعيسى

صورة
في يوم 25 ماي 2024 رحل عنا الإذاعي عبد الصادق بنعيسى. إنه صوت إذاعة البحر الأبيض المتوسط (ميدي1) المألوف في الأسماع، منذ قرابة نصف قرن، وأشهر الأصوات التي قدمت البرامج الروائية في الإذاعة المغربية. مواليد السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات في المغرب، يعرفون جيدًا من يكون الإذاعي عبد الصادق بنعيسى الذي كبروا على سماع صوته. صاحب ذلك الصوت العذب والرخيم، الذي أنتج وقدم أشهر برنامج إذاعي في تاريخ الإذاعة المغربية "ملفات بوليسية"، بلغة عربية سليمة وسرد مشوق لحيثيات الجريمة ومحيطها الاجتماعي، ما يجعل المستمع يتخيل الأحداث كما لو كان جزء منها، وكان المرحوم بإذن ربه، يستّهل برنامجه قائلا: "لم تكن الجريمة بكل أشكالها وألوانها مما طرأ على المجتمعات البشرية، بل إنها ولدت معها ومن رحمها خرجت. عبر التاريخ شدت الأنظار جرائم وذاع صيت مجرمين، ووقائع ألهمت العديد من الكتاب وجعلتهم يبدعون. الروايات البوليسية تنطلق من وقائع، ومن ملفات تعاطت معها أجهزة الأمن، تتبع خيوطها وصولا إلى النهاية؛ قد تكون نهاية أمام القضاء يفصل فيها، أو هي نهاية حياة " كما للراحل برامج أخرى اشتهر بها، مثل

المرأة الأكثر خصوبة في التاريخ: أنجبت 69 طفلاً !

صورة
إن مجرد انجاب طفل واحد والاعتناء به حتى يكبر ويشتّد عوده؛ لهو أمر ليس بالهيّن. فماذا ترى أيها القارئ لو علمت أن هناك زوجين جلبوا لهذا العالم 69 طفلا ؟! بلى، لقد مرت امرأة طبيعية على عالمنا أنجبت هذا العدد الكبير من الأطفال. فأي رحم هذا الذي لفظ هذا الكم الجبّار من البشر؟ حسب كتاب غينيس للأرقام القياسية، فإن سيدة روسية تُدعى فالنتينا فاسلييفا، أنجبت 69 طفلاً، وهو العدد الأكبر للأطفال الذين يتشاركون في أم واحدة في التاريخ، أي الذي تم توثيقه. وقد أنجبت فالنتينا أطفالاً بقدر ما يملأ مقاعد القطار، رفقة زوجها الفلاح الروسي، فيودور فاسلييفا، في بلدة روسية تدعى شويا، وحدث هذا في القرن الثامن عشر.  تطلب انجاب الزوجين الروسيين فالنتينا وفيودور لـ69 طفلاً، ما يقارب أربعين عامًا، أي ما بين عامي 1725 و 1765، في 27 ولادة منفصلة، فقد أنجبت السيدة ستة عشرة مرة توأمًا اثنين، وسبعة مرات أنجبث 3 توائم، وأربع مرات أنجبت 4 توائم، ليكون المجموع 69 ابنًا وابنة رُزقا بهما هذين الزوجين. ويُعتقد أن السيدة فالنتينا توفيّت في منتصف السبعينات من عمرها، وقد كبر أطفالها وتزوجوا وأنجبوا من البنين والبنات، ليصير لفال

بقعة الضوء

صورة
تبين لي في سقف الغرفة بقعة ضوء تخدش عتمة المكان، إنها آتية من قنديل الشارع، ورحتُ أحملق فيها، حتى أخذني شرود حزين، وصارت بقعة ضوء تصنع لي وجوهًا مروا عليّ جميعًا. صورٌ تتّتالى في بقعة الضوء تلك، حتى بدأت تُعرض لي وجوهًا لم أكن أريد تذكرها، بعد أن دفنتها في مقبرة ذاكرتي. فشعرتُ بالانزعاج مما أرى، ودفعتُ عني شرودي وانتفضت من الفراش لأُنير مصباح الغرفة وأفني بُقعة الضوء في السقف، وليكتسح وجودها النور. أُمرر يدي جنب الباب في بحثٍ عن مفتاح الكهرباء، ولم ألقاه في الوقت الذي يُفترض، كما لو كان فرّ من مكانه! ثم واصلت تمرير يدي أملاً بالعثور عليه، حتى شعرتْ به أنامل يدي، وضغطتُ عليه مرارًا دون جدوى، فمصباح الغرفة لم يُنِر، وبقعة الضوء في السقف تزداد اتساعًا، وفيها وجوهًا تزداد اكفهرارًا ووضوحًا! إلى أن هبطت عليّ تلك الوجوه وتشكلت في أشخاصٍ، فانقضوا عليّ وغلوا يداي وربطوني إلى عمود مجهول في غرفتي، فحرر أحدهم سيفًا من غمده، فلمع في الغرفة كأنه برقٌ أضاء - بغتةً - في سماء كالحة، فبدا لي كأني أرى في السيف انعكاس وجوه باسمة قد ألفتها واستكن لها خاطري. أغمضت عيناي لعل نباهتي تتفتق بشيء.

أرتميس : عودة البشر إلى سطح القمر

صورة
 عام 1972 كان الرائد الأمريكي يوجين سيرنان آخر إنسان زار القمر في مهمة أبولو 17، فيما يُعرف ببرنامج أبولو الذي أرسل للقمر سبعة رحلات مأهولة،  أوصل من خلاها بشرًا إلى سطح القمر، والمشي هناك في الأفق المضيء الذي يتشارك فيه وجدان الناس. اثني عشر إنسانًا تأتى لهم زيارة القمر بين عامي 1969 و1972. وبعد انقضاء أزيد من نصف قرن، حان الوقت للرؤية جيل آخر من البشر يخطو في الغبار القمري، هذه المرة متسلحين بقوة حاسوبية هائلة، وتقدم تكنولوجي رهيب يسمح لتوثيق بدقة ووضوح، واكتشافات أعمق بطرق حديثة، أكثر مما كانت عليها القفزة البشرية العملاقة الأولى في زمن الأبيض والأسود. إنه مشروع أرتميس.  أرتميس، هي أخت التوأم لأبولو، وهي إلهة القمر والصيد في الأساطير الإغريقية. وهنا ظهر جليًا لم اختارت وكالة الفضاء الأمريكية المعروفة باختصار ناسا، هذا الاسم، فشقيقة أبولو أرتميس ستُكمل على ما بدأه شقيقها الملهم قبل عقود، وستعقد الوصال بالقمر بعد كل هذه السنوات، بل إن أرتميس إلهة القمر ستبدأ معها حقبة جديدة في غزو الفضاء يتجاوز أمجاد شقيقها أبولو، والهدف التالي سيكون الكوكب الأحمر، المريخ.   مهمة أرتميس في إعادة البشر

مارجوري ماكول : المرأة التي ماتت مرتين !

صورة
كثيرٌ ما سمعنا رجوع الموتى للحياة بعد دفنهم، أو بالأحرى بعد أن أخطأ الناس في تشخيص موتِهم، ليقضي هؤلاء ساعات أو ربما ليلة كاملة في قبورٍ جاورا فيها الموتى إلى حين، قبل أن يُكتب لهم عمر جديد، وانتُشلوا من كنف الظلمة وقد عادوا إلى حياتهم الدنيا بعد أن تم تعدادهم من أصحاب الآخرة. والراجح أن هناك ضحايا تشخيص الموت لم يسعفهم الحظ للرجوع إلى منازلهم، وواجهوا على انفراد رعب الظلام في القبر وهم أحياء إلى أن فاضت روحهم فزعًا من هول مقامهم. في بلدة تُدعى لورغان بأيرلندا، عام 1705، أُصيبت السيدة مارجوري ماكول بحمى مفاجئة وتوفيّت بسببها، ليتّم التعجيل بمراسم الدفن مخافة انتشار العدوى، وإذ ذاك دُفنت السيدة مارجوري على عجل، حتى دون نزع خاتم كان في أصبعها لشدّة عجلتهم في التّخلص من الجثمان وحشره في القبر بأسرع ما يُمكن. في الليلة الأولى للسيدة مارجوري في قبرها، جاءتها أول طلب زيارة تحت جنح الظلام، وزوارها كانوا لصوصًا وصلهم خبر مفاده، أن السيدة دُفنت بخاتم في أصبعها، والخاتم من النوع الجيد، وإن كان ليس باهض الثمن إلا أنّ مقداره يُقدر بما يُغري المعدومين. قام اللصوص بنبش القبر حتى وصلوا الى ثبوت الس

وما زال في الناس قراء...

صورة
انتهيت من وجبة الفطور، وعدّلت بصري الذي كان معلقًا في شاشة تلفاز عملاق تبثُ الصرعات في مملكة الحيوانات بعد أن انطفأت بغتةً، فأخرجت هاتفي؛ فجأة تبين لي شاب يجلس أمامي ويقرأ كتابًا ما، أثار انتباهي القارئ ذاك في هذا الصباح، فقد خلق الاستثناء في هذا المكان، وكان المرء الوحيد الذي يحمل كتابًا، بينما البقية يُحدق في شاشة هاتفه الذي في يده أو واضعًا إياه على الطاولة بينما يدس المأكل في وجهه وأبصاره إلى الشاشة، وأنا واحد في رهط هؤلاء، عدا ذلك القارئ أعلن في مقامنا هذا، أنه ليس منا!  وضعت هاتفي على الطاولة، وخضعتُ لفضولي أن أعرف عنوان الكتاب الذي يفتحه هذا الشاب أمامي، ولم يطل انتظار فضولي حتى أشبعت رغبته، واكتشفت عنوان الكتاب، الذي سبق أن قرأته قبل بضع سنوات، إنها رواية   la chartreuse de parme  للكاتب الفرنسي هنري بيل والمعروف باسم ستندال، وهو أحد عمالقة الأدباء الفرنسيين في القرن التاسع عشر، وقد قام بتأليف هذه الرواية التي تُقرأ أمامي - بنهمٍ بادٍ - عام 1839، والذي عرفني عليه أحد أصدقائي القراء.  زاد إعجابي بهذا الشاب الذي يفتح كتابًا في  هذا الصباح، بعد أن عرفت عن ماذا يقرأ، فالذي يقرأ أمث