قالت له ابتّسم


قصة قصيرة 

جاء روّيده لا يطرق فكره شيئًا، فتعرضت طريقه أنثى، قالت له: 
_ ابتّسم.
حتى تلك السيجارة التي كان يهمّ بحشرها بين شفتيه الزرقاوتين عَدَل عن رفعها لفمه، وظلّت أصابعه تتلاعب بعِقبها الندي، ورمقها بنظرة النسر المُشمئز من الرياح العاصفة، لأنه يعلم أن أي محاولة منه للتّحكم في مسار طيرانه ستبوء بالفشل. نظر إليها صامتًا يرنو لفهم هذا الكائن الغامض - لدّنه -  المسمى (أنثى) وكيف يفكر. هل بمجرد أن يبتّسم ستحلُ جميع مشاكله، وديونه المتراكمة ستعرف طريقها للأداء؟  هل بمجرد أن يبتّسم سيتخلص من شعور الخيبة الذي لازمه منذ مرض والديه إلى مغادرتهما الدنيا، وعجزه عن تقديم يد المساعدة لهما، وقد أرهقهُ ما يزال يُرهقه؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيُبيدُ العجز الساكن بين ضلوعه؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيحصل على أسنان بيضاء تُغنيه عن تبرير سوداها لكل من رآها عقب ابتّسامته وسأله عن سبب سوادها وتفَتُتِهَا؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيجد من تحبه بوجهه الشاحب وجسمه النحيف وأنفاسه التي تعلو وتنخفض بصعوبة؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيرمي بخّاخ الربو الملازم له كظله؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيحقق حلم مراهقته في أن يصير شبيها لجورج كلوني في الأربعين من عمره؟ هل بمجرد أن يبتّسم سيحصل على عمل يُخرجه من مرحلة الشك في وجوده؟ هل بمجرد أن يبتّسم قدماه ستنتعِلان ذاك الحذاء الرياضي الذي رآه  خلف واجهة زجاجية لمحل بيع أحدية وملابس رياضية؟  هل؟ هل؟ هل؟ 

همّ بأن يشرح لها كل هذا بحثًا عن تفسير منطقي لهذا العلاج السحري الذي نصحته باتباعه، لكنه تراجع في آخر لحظة بعد أن تذكر أن هذه الكائنات الغامضة لا يلقى لهن فهمًا منذ قدم عمره. تراجع لكنه لم يزح نظرهُ عن عينيها وعاد ليَحمل السيجارة لفمه ويُشعلها، وقبل أن ينفثُ المَجّة الأولى فاردًا للدخان مساحة حرية التجوال في قفصه الصدري، توجه لها مخاطباً:
_ شكرا لكِ، لكني لن أبتّسم. 
فأكمل طريقه. 

تعليقات

  1. يعني قالت له ابتسم ورد عليها لا وبين طلبها ورده هذه القصة ^-^
    أعجبنتي القصة فهي نفسية تبين حجم معاناة الإنسان في هذا الزمن ومآسيه التي نسمع عنها كل يوم بل كل لحظة حتى أصبح لا يقدر حتى على الإبتسامة
    شادية ♡

    ردحذف
  2. أجل، بين الطلب والرد، القصة اعلاه، إضافة لضهور شادية ^^
    نعم لقد طفح كيل البعض من اصطناعة الابتسامة، لعدة أسباب.
    سعيد بتعليقك واعجابك بالقصة شادية.

    ردحذف
  3. أرى ان الحوار لم يكن بين رجل و امرأة فقط بل كان يلعب على وتر الاختلاف الفطري بين كتلة المشاعر التي يقودها القلب و الواقع المرير الذي يراه العقل و هذا هو مكمن الاختلاف بين الجنسين ..

    قصة قصيرة مجازية اعجبتني يا مسيو .

    ردحذف
  4. أعجبني تفسيرك للقصة، ربما هو أرفع من القصة نفسها ^^ يظهر الأمر كذلك، بين مشاعر رقيقة، وقلب منهك فضل أن لا يناقض حاله أو يتحايل عليه، بالابتسامة.. وإن قالوا ابتسم للحياة تبتسم لك، لكنها لا تبدو بهذه السهولة، إلا في قالب الأمثلة.

    أسعدتني طلتك علينا، مدموزيل.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

بوتفوناست (صاحب البقرة)

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -