حسن أوريد : كبير مثقفي النخبة الذي ارتوى بمكة



هناك فرق بين كاتب وآخر، حتى أن الهوّة بينهما قد تصل إلا ما لا يُقدر. أي لا مجال للمقارنة، ببساطة. قرأت كتابات لعدد لا بأس به من الكتاب المغاربة المعاصرين وذوات الصيت. واحد منهم فقط أضعه في مرتبة أستاذي، فعندما أقرأ له، أشعر بأني مجرد تلميذ، الذي يرى أستاذه هو المثل الأعلى والأعظم في مجاله. إنه الدكتور حسن أوريد، الذي كان لي شرف أن أحضر له محاضرة ألقاها في جامعة عبد المالك السعدي بطنجة عام 2016.

عندما نحكي على الكاتب والأديب والمفكر الدكتور حسن أوريد، فهو ليس مجرد كاتب، في ساحة اختلط فيها الحابل بالنابل؛ بل هو تجربة إنسانية وعلمية ببعد يستّحق الإمعان في كل عبارة يخطها هذا الرجل، الذي يملك سيرة مميزة يتمناها كل كاتب ومفكر.

ولد حسن أوريد عام 1962 في قرية أمازيغية تدعى تزموريت على مقربة مدينة الراشيدية، في الجنوب الشرقي للمغرب، لأسرة أمازيغية متوسطة الحال، كان والده معلما للغة العربية ومقدرًا للعلم، وقد نبت حسن في هذه البيئة التعليمية وتفوق على أقرانه في المدرسة. بل قيل إنه كان نابغة في طفولته، ما جعل حياته وحياة أسرته البسيطة تنقلب كما لم يتوقع أحد بسبب نبوغ الطفل حسن، فقد تم اختياره ضمن عشرين تلميذًا متفوقًا في المغرب كله للولوج للمدرسة المولوية في القصر الملكي بالرباط، حيث يدرس ولي العهد وباقي الأمراء برفقة المتفوقين من عامة أبناء الشعب. ليس هذا فقط، بل سيتم اختيار حسن للمرة الثانية ضمن إحدى عشر تلميذًا سيدرسون في نفس القسم حيث ولي العهد والملك الحالي محمد السادس، هذا القسم حيث يجلس أرويد، فيه نخبة النخب المغربية، ومنه خرج رجال الدولة العميقة حاليا، أمثال فؤاد عال الهمة، كبير مستشاري الملك، وياسين المنصوري، قائد المخابرات وعيون المملكة في العالم، وآخرون، وقيل أن حسن أوريد أنجحهم وأكثرهم صيتًا. هناك في المدرسة المولوية، سيُتم حسن تعليمه الثانوي  ثم انتقل مع ولي العهد وباقي الزملاء إلى جامعة محمد الخامس بالرباط، وتخرج منها في التخصص العلوم السياسية والقانون. وفي عام 1988 سيحصل حسن أوريد على دكتوراه الدولة في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس. 

أول منصب ينالهُ حسن أوريد كان في وزارة الخارجية، حيث كُلف بالملف المغاربي بين عامي 1987 و 1992، ثم انتّقل إلى السفارة المغربية بواشنطن، واشتغل فيها مستشارًا للسفير المغربي بداية من عام 1995 حتى عام 1999، وبعد أن اعتلى زميل دراسته عرش المملكة في نفس العام، محمد السادس؛ عُيّن أوريد في منصب الناطق الرسمي للقصر الملكي حتى عام 2005، وانتّقل إلى منصب جديد قد يبدو أقل من مناصبه السابقة، وهو الوالي على جهة مكناس تافيلالت حتى عام 2009، انتقل الرجل إلى الرباط وتم تعيينه مؤرخًا للمملكة، وبعد عامين فقط، حصل ما لم يكن متوقعًا ولا معتادًا، فحسن أوريد طلب إعفائه من منصبه والابتعاد عن دواليب المملكة كليًا، بعد أزيد من عقدين من الزمن قضاها حسن في مناصب عليا في الدولة المغربية، وكان كذلك في الفترة ذاتها يلعب دورًا بارزًا في التواصل مع اليساريين وكبار معارضي الدولة من إرث عهد الحسن الثاني، وكان حسن أوريد أول من استقبل المناضل اليهودي المغربي، اليساري الشرس، أبرهام السرفاتي عند عودته لبلده بعد أن سحب منه جواز سفره، كذلك كان أوريد صلة وصل بين الفرقاء السياسيين والملك محمد السادس، أبرزهم مؤسّس جماعة العدل والإحسان ذات التوجه الديني ومرشدها، الشيخ عبد السلام ياسين.

كان حسن أوريد ورغم مهامه الكبيرة، يجد وقتًا للكتابة الفكرية وتأليف الرواية والشعر، فقد كان مولعًا بالأدب منذ صباه، ويكتب بأربع لغات التي يجيد الحديث بها، دون احتساب لغته الأم، الأمازيغية، ومن أشهر أعماله الفكرية، نجد:
- الاسلام والغرب والعولمة
- مرآة الغرب المنكسرة
- تلك الأحداث
- من أجل ثورة ثقافية في المغرب
- الإسلام السياسي في الميزان
- أفول الغرب
- الموتشو

بينما في اعماله الأدبية الشهيرة، نلقى:
- ربيع قرطبة
- الموريسكي
- سيرة حمار


رواء مكة


رَواء مكة، هي سيرة روائية للكاتب حسن أوريد، قال عنها: "بوحٌ مني". ففي كتاب رَواء مكة، يحكي حسن عن تجربة روحية في رحلته إلى أداء مناسك الحج، وكيف تغيرت حياته بعد أن ارتوّت بمكة، أي بالحج، بعد أن كان على مسافة بعيدة عن الإسلام والتدين، وقال عنه البعض، بأنه كان ملحدًا.

في عام 2006 سيقترح عليه أحد أصدقائه مرافقته لأداء مناسك الحج، اقتراح وضع المفكر المغربي المعاصر في حيرة من أمره، ففي قراراة نفسه، يدري جيدًا، أنه أبعد ما يكون عن تلك الطقوس في الحج، مثل الطواف بغير هدى على مبنى يسمى الكعبة، ثم الرجم بالحجارة على مكان يُفترض أن إبليس يقبع فيه! هو في الأخير إنسان غير متدين، وهو متصالح مع نفسه، فهو لا يوّد أن يحضر في طقوس الحج طالما ليس متدينًا وإلا سيشعر بنفاقه إذ سيُظهر للناس ما ليس فيه، لكن في نفس الوقت يشعر بالحرج الشديد إن رفض طلب صديقه الملحاح، فحدث ما يتمناه حسن، فقد أخبره صديقه بأن وثائق سفره إلى الحج ضاعت في القنصلية، أُسعد أوريد بهذا المستجد الذي وجد فيه أيما عذرٍ لعدم مرافقة صاحبه إلى الحج، كأن قوة خفيّة تخدم حسن. إنما فرحته لم تكتمل، فقد سمع من صاحبه: "أبشر يا حسن". فتكفهر حسن بدلاً منها، وعلم أن وثائقه تم استعادتها. عاد للبيت وصرح زوجته بالمعضلة التي تنغص أوقاته، وكان جوابها، أن يذهب لأداء مناسك الحج، فهي مشيئة الله، وكذلك كان، فقد ذهب حسن - الذي قيل أنه ملحد - إلى الحج! وعاد منه شخص آخر. فكيف ارتوى حسن بمكة والإسلام؟ الجواب، في رَواء مكة.
 

"مأساتي، هي قدرتي على التفكير" هي مقولة حسن أوريد، الذي أصفه أنا، كبير مثقفي النخبة المغربية. بعد مؤلفاته، أجد متعة بحضور حواراته بلغته العربية الفصيحة، وبنظراته الحادة الجانبية، وهدوء مثير، يرد الرجل على محاوريه فيربكهم. إضافة لبعده الثقافي والفكري، فإن الرجل شجاع في التعبير عن مواقفه، وحتى عند بوحه في رواء مكة. لِم لا وهو ينتمي إلى الأمازيغ، الذي تعني، الإنسان الحر.  




* أوريد، باللغة الأمازيغية تعني طائر الحجل

تعليقات

  1. للأمانة، فمن وصف حسن أوريد بالملحد، هو شخص واحد، ويكون المفكر والداعية المغربي، الدكتور أبو زيد المقري الإدريس.

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

بوتفوناست (صاحب البقرة)

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

حمو أونامير .. حكاية خالدة من الفلكلور الأمازيغي

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -