اتركونا ننام


(قصة قصيرة جدًا)

كنت أتصفح قصاصات صور ماضيّ الجميل، ذلكم ماضٍ مضى وجمال انقضى، وأتأمل فيها شابًا وسيمًا مفعمًا بالحياة كان أنا، الذي خرج من معركة الزمن مهزومًا إذ صار وحيدًا. فلم أتورع لكي أزيد على مأساتي دمعةً، التي تدحرجت على وجنتي وغيرت مسارها إلى ناحية فمي، فأخرجت لساني لأتعرض لها وليذيقها فاهي، واستّخلص منها ملوحة لكأني ألفتها قديمًا، فتذكرت من أين لها ولفةٌ، فكان في صباي يوم تضربني أمي الحنون، فأصرخ باكيًا إلى أن تصل الدموع فمي فأُلقي باللسان لأبتلعها وأصمت هُنيهة من البكاء حتى يتبيّن لي مذاقها، ثم أستأنف عويلي، الذي إن لم ينتهِ بالنوم؛ تُنهيه صفعة خُفٍّ مُبّلل - في قفاي - توضأت به جدتي للتو. وإذ هذه الذكرى، زاد على مأساتي دمعتان، إلا أن الدمعة الثانية لم تُحرّف مسارها كالأولى، وابتدعت عن فمي ما يكفي لنجاة من مصيدة لساني، وفُقد أثرها في عنقي. بين اختلاط شعور الحنين بالمأساة؛ قُطعت خلوتي بطرقات على الباب، فأغلقت قصاصات الصور وأرجعتها إلى منفاها فوق الدولاب، ورفعت أنظاري إلى ساعة الحائط مستطلعًا الوقت، لألقاهُ عاتب الثانية صباحًا. تعجبتُ من تلك العقارب التي لا تلتقط أنفاسها، بل تظل تجرّ الزمان جرًا إلى ما لا يُعرف له نهاية. تتواصل الطرقات على الباب، ثم سرتُ ناحية الحمام لأغسل وجهي وبعض الناجين من أسناني. وما زال الخبط على باب شقتي، لكني لا ألقي له بالا، لأني على علم أن لا أحد في العمارة سواي، وبابها الرئيسي الذي قرضه الصدأ أحكمت إغلاقه بيدي بعد عودتي للشقة. فتوّجهت إلى سريري الذي أخذ من عمري ليالٍ وأنهر، وعلى صوت الطرقات نمت، نعاس هنيٌ حالم.

تعليقات

  1. هذا مثال قصير جدا للنوع من قصص الرعب التي أحبها والتي لا يجهد فيها الكاتب نفسه لصناعة الخوف عند القارئ بل يأخذه بهدوء إلى لعبته ويرمي له ورقة ويقول له أنا لا أفهم افهم انت ههههههه على كل حال استمعت بهذه الأقصوصة اخي محمد وتحياتي لك

    ردحذف
  2. أهلا بالأخ الدحداح..

    بداية أعتذر عن التأخر في الرد بسبب عدم تلقي الاشعارات في بريدي الالكتروني المريض ^^ وقد أسعدني حقا تعليقك ومشاركتنا معنا، وانا بصفك في تفضيلك للرعب النفسي في الأدب، فمثلا أفضل أن اقول لك أن أحدهم خرجت عيناه من حجرهما من هول ما رأى ! على أن أصف لك ما رأى ^^

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة في آخر أسبوع

أباطرة المخدرات المغاربة .. منير الرماش -1-

بوتفوناست (صاحب البقرة)

عصفور المغاربة المقدس : تبيبط

حمو أو نامير .. من الأسطورة إلى السينما

ايسلي و تسليت .. أسطورة العشق الأمازيغية

أباطرة المخدرات المغاربة : حميدو الديب - 2 -