العيساوي .. سلطان الأفعى

تعود مهنة ترويض الأفاعي في المغرب إلى غابر الأزمان، لكن ليس أيا كان بإمكانه امتهان هذه الحرفة السامة في هذا البلد، إنما لهذه الحرفة أهلها الخواص والمعروفين بها، الذين ورثوها عن أجدادهم وسلموها لأبنائهم، لتتعاقب الحرفة السامة بين أجيال وأخرى، وهؤلاء يسميهم المغاربة "عيساوة" والمعروفين أيضا بقدرات أخرى عجيبة، أبرزها شرب الماء المغلي، وتقطيع أجسادهم بشظايا الزجاج أو الرقص فوقها بدون ندوب أو سير الدماء.


من هم العيساوة ؟

هؤلاء الرجال هم سلاطين السم، ينتمون إلى قبائل بني رحل نواحي مدينة مراكش، يعرفون منذ أغبر الأزمان بحرفة ترويض الأفاعي، حيث كانت هي الحرفة الأكثر انتشارا في المنطقة، حتى بدأت المهنة تفقد قيمتها مع تعاقب السنين، لتتلاشى رويدا رويدا حتى غدت منحصرة على قلة قليلة. يتخذون من ساحة جامع الفنا بمراكش مرتاعا لهم وآخر معاقل الحرف السامة، إلا أن هناك استثناءات أخرى، فالبعض مازال يجول بأفعاه يسترزق منها في ربوع المغرب.


كيف يصطاد العيساوي الأفاعي ؟

قد يبدو سؤال سهل، فلا يحتاج إلى الكثير من التفكير، فالزواحف تجدها في المناطق الصخرية وتتخذ الجحور مسكنا لها، إلا أن العيساوي أعرف من أن ينقب عن الأفاعي في الجحور، بل ينتظر حتى حلول فترة ما بين شهر أبريل و شهر يونيو ؛ فهذه الفترة في السنة تشهد هجرة الأفاعي، وهو موسم الزاوج لدن الأفاعي.


حكاية أسطورية لأحد أشد السحرة مع العيساوي

في ذات زمان، استولى الفضول على أحد السحرة لمعرفة كيف يصطاد العيساوي الأفاعي، فقرر الساحر أن يحول جسده إلى أفعى تلوب قرب أحد العساويين، فلما أتى على ذلك،  واستشعر العيساوي  بوجوده؛ أخرج البندير (آلة موسيقية)  فبدأ بالعزف، بينما يراقب الساحر المتحول إلى أفعى المشهد بتشويق ، حتى وجد نفسه محاطا بحلقة نار تقوده إلى صندوق العيساوي حيث سيتم أسره.. وقبل أن يقضى الأمر خرج الساحر من جسد الأفعى مستعدا هيئته الآدمية أمام دهشة العساوي ، ليخبره أن الفضول من جعله يأتي بهذا الفعل .. القصة خرافية إلى أقصى ما يمكن، لكن لا ضرر في سردها تحت بند الأساطير.


ساحة جامع الفنا آخر معاقل حرفة ترويض واستعراض الأفاعي في المغرب

ساحة جامع الفنا، أكبر مسرح للاستعراض المفتوح في العالم، وأحد مواقع التراث العالمي، وآخر مخلفات الأندلس التي مازالت تنبض بالحياة لقرون متعاقبة.. إنها قلب ورئة مدينة مراكش التي يزوها الملايين من السياح سنويا.. وفي الساحة مختلف العروض من بزوغ الشمس إلى قرب بزوغها من جديد، ومن أبرز العروض يحضر العيساوي وأفاعيه ليذهل بها الزوار، وتتحول الأفعى إلى نجمة تلحقها عدسات كاميرات السياح بينما تستعرض مفاتنها على مرأى حلقة كبيرة من جمهور.. بينما العيساوي يعزف موسيقاه لأفعاه، وهكذا يشكل الإنسان مع الافعى ثنائي متناسق.


خرافات عن العيساوي

يعتقد البعض بأن العيساوي يملك قدرات خارقة أو (البركة)  تحصنه من أي خدش من الأفاعي قد يرسله في الحال إلى مستودع الأموات.. إلا أن هذه لا تزيد عن خرافة؛ فالعيساوي ليس رجلا خارقا، بل إنسان عادي امتهن حرفة ترويض الأفاعي، التي ارتبطت في أذهان الناس كونها فعل خطير لن يقدر عليه أيا كان، ولذلك نتجت عن الحرفة بعض الخرافات مع توالي الزمن.. وفريق آخر يعتقد بأن العيساوي مخادع يقوم بتفريغ الأفعى من سمها.. هذا الإعتقاد ينفيه العيساوي جملة وتفصيلا.. أيضا مناقض للعلم، فلا يعقل استخراج السم من الأفعى، كون السم جزء لا يتجزء من الزواحيف وبعض الحشرات، إلا أن هناك بعض الأفاعي ليست سامة من الأصل، لكنها نادرة وتحتاج إلى الخبراء لمعرفة هل هي فعلا ليست سامة؟!.

(كلمة)

سبحان من فرق الأرزاق على العباد؛ وجعل لكل امرئ سببا منه يتلقى هذا الرزق.. في المغرب يقال بالعامية (طرف لخبز صعيب) أي "كسرة الخبز صعبة" إلا أن عند العيساوي ليست كسرة الخبز صعبة فقط ؛ بل سامة كذلك يحوم حولها شبح الموت..  فكم من عيساوي مروض الأفعى، روضته أفعى، حتى استلقى جنبها ميتا.

ويبقى العيساوي يلاعب الموت في أفعاه، يصافحها، يقبلها، ينكزها، يغني لها. هي تنظر إليه نظرة مغشوشة، الغدر في عينها، تراه عدوا اعتدى على حرمتها، هو يراها خبزا. 




بنصالح